الرئيسية / أخبار / السيناريوهات المتوقعة للشرق الأوسط للأعوام القادمة

السيناريوهات المتوقعة للشرق الأوسط للأعوام القادمة

د. شهاب المكاحله — واشنطن –

يتزايد الاهتمام بمعرفة مستقبل منطقة الشرق الأوسط مع ظهور أزمات جديدة  قد تعصف بالمنطقة برمتها، فلا سلام عالمي ولا رخاء دون استقرار وأمن الشرق الأوسط ولا يمكن تحقيق ذلك في العام 2018 في ظل حالة الاضطراب وعدم اليقين بعد أحداث الربيع العربي والتدهور الاقتصادي والتأزيم السياسي والتموضع الذي باتت عدة دول تنتهجه لحماية مصالحها الاستراتيجية رغم خطورة ذلك على عدد منها لأنها فككت التحالف الأخوي القائم واستبدلته بتحالف المصالح الذي قد ينقلب يوماً بسرعة حال انتهاء المصلحة.

ففي الفترة الماضية قامت لجنة  العلاقات الدولية بمجلس اللوردات البريطاني بإجراء دراسة موسعة قام بها باحثون وسياسيون ومختصون في الشؤون الاقتصادية والسياسية والعسكرية للشرق الأوسط حيث استغرقت الدراسة أكثرمن 7 اشهر.

وخلصت الدراسة إلى أن الشرق الأوسط يمر اليوم بمرحلة “انتقالية”وأنه ومنذ فترة “الربيع العربي” ما زال الشرق الأوسط في منتصف تلك العملية بمعنى أن عقارب الساعة لن تعود في الشرق الأوسط إلى الوراء قبل أحداث 2011. وهذا يعني استمرار حالة عدم الاستقرار لسنوات قادمة ويغلب البعد الأمني عليها لأن صراع القوى العظمى سيفاقم من مصائب الشرق الأوسط  نظراً لتباين مصالح تلك الدول.  لذلك سنرى عالماً تغلب عليه الأعمال الجزافية متمثلة بسياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مقابل سياسة “أكون أو لا أكون” متمثله بروسيا والصين كقوى صاعدة مع نقص في التوافق الدولي والتجانس بين الدول العظمى فيما يتعلق بملفات كثيرة منها الشرق الأوسط في ظل غياب فاعل للأمم المتحدة.

وهنا سيبرز دور لعدد من الدول في الشرق الأوسط التي تسعى لإرضاء سادتها في الغرب والشرق عبر قنوات خلفية مستغلة ما يسمى بالقوة الناعمة “Soft Power” والتي تعني استعمال المال والاعلام واللوبيات من أجل الضغط على دول بعينها لتحقيق سياسة ما أو لتمرير أوراق محددة بهدف التأثير في شكل خريطة المنطقة وهو ما تقوم به حالياً بعض الدول العربية في الولايات المتحدة وغيرها من الدول عبر سباق النفوذ والرضا إلى البيت الابيض والكرملين و”Downing Street”.

ستشهد المرحلة القادمة تشكيل ما يعرف بـ “المجموعات المعتدلة” في الدول العربية ومنها الخليجية بدعم لوجستي استخباراتي غربي للضغط على تلك الدول ونهب مواردهامع قبول عدد من تلك الدول لإنشاء قواعد عسكرية أجنبية على أراضيها وهذه القواعد ليست لحلفاء تقليديين لأن خريطة التحالفات ستتغير والمصالح الاستراتيجية لكل دولة ستكون هي المحدد لتحالفاتها مع قبول عدد من الدول العربية لأن تكون أدوات سياسية بأيدي الدول الأخرى من أجل إحداث تغيير في ممالك وجمهوريات عربية أخرى لضمان عدم التغيير في هيكل الحكم في الدول الإقليمية المتحالفة مع الدول الكبرى والتي اي تل الدول الإقليمية والكبرى تحارب خارج أرضها لأنه بذلك كلما زرعت مشاكل حولها كانت في مأمن من الخطر ولكن إذا ما كان حولها سلام واستقرار فهذا يعني بأن تلك الدول لن تكون بسلام على الإطلاق.

ومع قرب انتهاء الأزمة في سوريا من آخر فصولها وتحديد موعد الانتخابات الرئاسية القادمة وتوقع فوز بشار الأسد بالرئاسة فإن الدول العربية التي وقفت ضده ستكون على المحك لأنه لن يترك الميدان لتلك الدول بعد أن تستقر بلاده بل سيفتح حدودها مع كل من العراق وتركيا والأردن ولبنان ولن يقبل صلحاً مع دول الخليج لا لأنه لا يريد ذلك فقط بل لأن الشعب السوري في الداخل لن يقبل وجود علاقات مع دول الخليج التي ساهمت بعضها في الحرب التي شردت أكثر من نصف سكان سوريا ودمرت اقتصاده وقضت على أكثر من 400,000 من أبنائه.

ففي العام 2018 سيكون لسوريا شأن في الشرق الأوسط تحسب له الدول ألف حساب ففيها قاعدتين عسكريتين روسيتين وقاعدة صينية ما يعني أن سوريا ستكون عمقاً عسكرياً لكل من الصين وروسيا ناهيك بالأهمية الاقتصادية التي تعول بكين عليها في دمشق.

وبعد القرار الذي اتخذه الرئيس الأميركي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل فإن الأمور ستتطور أكثر فيما يتعلق بخلق كيانات وتحالفات لم تكن يوماً على بال أحد. فقد يقترب الأردن أكثر من تركيا نظراً لموقفها من القضية الفلسطينية وتأييدها للأردن في موضوع القدس والمقدسات وأن الأردن وصي عليها.

وللتعرف على محركات التغيير فى منطقة الشرق الأوسط ومستقبلها، لا بد لنا من النظر إلى أن الشرق الأوسط سيظل في كل عام يشهد تدهوراً في كثير من النواحي حتى العام 2050 مع حالة من عدم الاستقرار الأمني التي ستلعب فيها دول كبرى لتأجيج الصراعات الإقليمية والعرقية والطائفية في ظل تهميش عدد من فئات الشعب مما يقود إلى إنهاء منظومة الدول في عدد من الدول لأنها باتت تعتقد أنها دول كبرى في الإقليم وأنها يمكن ان تلعب لعبة الأمم. فليس مستبعداً تفكك عدد من الدول إلى دويلات بخلافات داخلية واقليمية تدفع إلى الانفجار الشعبي الذي يؤدي إلى ربيع عربيمدعوماً بتدهور اقتصادي وتقشف مالي وبطالة عالية وفساد سياسي كبير. باختصار فإن الشرق الأوسط بات اليوم في عين العاصفة أو في دوامة لن يستطيع الخروج منها إلا بخروج عدد من الدول عن منظومة المدار الإقليمي لأنها خلقت لتخدم منظومات دولية على حساب المصالح الاقليمية والشعبية لسكانها.

وفي عدد من دول الشرق الأوسط بات الشباب قنبلة موقوته لا يمكن التحكم في موعد انفجارها نظراً لزيادة عددهم وارتفاع حدة البطالة بينهم في ظل تضخم كبير وعجز مالي لا مثيل له تمثل في المزيد من الضرائب التي أرهقت كاهل المواطن. فانخفاض مؤشرات النمو الاقتصادي مع حالة عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي سيدفعان الكثير من دول الشرق الأوسط إلى الغليان ما يؤثر سلباً على الكثير من دول المنطقة بسبب الفجوة الكبيرة بين الأغنياء والفقراء وهو ما سيدفع الشعوب إلى الثورة على واقع لم يعودوا يتحملون تبعاته.

سيناريوهات متوقعة للشرق الأوسط:

ترجح مصادر بحثية غربية عدة سيناريوهات للشرق الأوسط في الأعوام القادمة وخصوصاً في العام 2018 وتتلخص فيما يلي:

أولاً:بعد هزيمة داعش في كل من العراق وسوريا واختفاء قادتها على أيدي أجهزة استخبارات عالمية وإقامة معسكرات لهم في مناطق صحراوية لاستخدامهم مرة أخرى يعني أن الهدف القادم سيكون دولاً خليجية.

ثانياً: إن ضعف عدد من دول المنطقة أمنياً وعسكرياً واقتصادياً وسيطرة قلة من أبنائها على السلطة فيها تجعل ربيعاً عربياً بنكهة أخرى عرضة للانتشار ولكن هذه المرة سيكون عابراً للحدود ودون قيود تعيد رسم الخريطة الجيوسياسية ويدعم هذا السييناريو عدم قدرة الكثير من الدول العربية على توفير عمق استراتيجي لها بسبب انشغالها بتحدياتها الداخلية كما أن الجيوش الرئيسية في المنطقة قد انهكت في حروب الشوارع مع الإرهاب.

ثالثاً: على الرغم من العداء الأميركي لإيران وتحذيرها لطهران من مغبة الاستمرار في برنامجها لتطوير الصواريخ الباليستية والسلاح النووي إلا أن هناك اتفاقاً مبدئياً بين الطرفين بأن السياسة شئ والعسكرة شئ آخر ما يعني أن التهديدات ما هي إلا للاستهلاك الاقليمي دونما جدية في ذلك لأن إيران ليست وحدها في المنطقة بل مرتبطة بتحالفات استراتيجية مع كل من تركيا وسوريا وروسيا والصين ومجدداً قطر.

رابعاً: عودة سوريا والعراق إلى الساحة الإقليمية يعني تقليم أظفار من تلاعب بالدولتين عقوداً طويلة بحجة النزاع الطائفي. وهذا يعني نقل الفتنة إلى قلب تلك الدول التي باتت تعاني من خلل اجتماعي وسياسي داخلي.

كل ذلك سيدعمه تباطؤ نمو اقتصادات المنطقة بسبب المخاطر الأمنية والتهديدات الإرهابية وانعدام ثقة المستثمر في مستقبل المنطقة ككل ما يعني مزيداً من البطالة ومزيداً من الضغوطات الاجتماعية والسياسية على الحكومات التي إذا ما استمرت في سياساتها التقشفية على شعوبها والاسراف على شريحة معينة من المجتمع فإن النقمة الشبابية ستكون أكبر من تلك التي اجتاحت العالم العربي في العام 2011. ففي أفضل الأحوال فإن أحسن معدلات النمو المتوقعة في المنطقة لن تتجاوز 2% مع تراجع في عجلة الانتاج مقارنة بالعام 2010 أي قبل الربيع العربي إذ كان معدل نمو الاقتصاد في عدد من الدول العربية بين 3-4.6%.

لذلك من المتوقع أن تشهد الساحة العربية ما يلي:

أولاً: تغير في حركة الزاوية وهذا يعني أن الدول التي كانت تعاني من تأثير الإرهاب سوف تنتقل إلى مرحلة جديدة من الإعمار والسلم بينما ينتقل الإرهاب ليضرب دولاً أخرى في المنطقة.

ثانياً:انتشار الطائفية وهو السيناريو الأكثر خطورة. فالتوترات الطائفية الأخيرة في المنطقة، خاصة في العراق، وسوريا، ولبنان، تزيد من فرص قيام حرب شاملة بين القوى السنية والشيعية، وربما تقسم الشرق الأوسط الجديد إلى مجموعات ذات حكم ذاتي على أساس طائفي، مع احتمالية استمرار الصراع مع قيام الدول الكبرى بدعم الأكراد كل وفق توجهاته السياسية ومصالحه في المنطقة.

ثالثاً:السلطوية الجديدة والاوليجاركية ويعني هذا تضاؤل دعم  الطبقة الوسطى ما يعني انعدام التوازن في المجتمع في ظل صعود أنظمة وحكام تغلب عليهم صفة الدكتاتوريات الجديدة في ظل لعبهم على تناقضات المجتمع الدينية والسياسية والاجتماعية.

رابعاً: ستشهد دول في الشرق الأوسط نقصاً حاداً في الموارد الاقتصادية والمالية تتسبب في عجوزات مالية كبيرة نظراً لتوترات عسكرية وأمنية في المنطقة تجعل من أسعار النفط أعلى من سقف 85 دولاراً مما يعني زيادة فاتوة تلك الدول من المستوردات والتي بدورها ستنعكس على القدرات الشرائية لمواطينها وأسعار السلع.

خامساً: التهديدات الأمنية وتتمثل في انقسام المجتمعات العربية بين مؤيد للحكومات ومؤيد للجماعات الإسلامية ومنها تنظيم “الأخوان المسلمون”، وفي ظل ما سبق من عوامل اقتصادية وطائفية وحكومية وتنظيمات وتهديات إرهابية فإنه لا بد من حدوث أمر ما في إحدى تلك الدول ليكون شرارة تنتقل منها الثورات من دولة إلى أخرى دونما اعتراف بالحدود لأن الخروقات الأمنية ستكون عابرة لحدود الدول.

سادساً: محاولات إفشال لااتفاق النووي الإيراني مع دول (5+1) وهي الدول دائمة العضوية إضافة إلى المانيا ما يعني سباقاً للتسلح النووي في الشرق الأوسط فمن تلك الدول من سيتجه إلى روسيا والصين لتسليحه بمنظومة صورايخ ورؤس حربية نووية ومنها من سيتجه إلى باكستان للحصول على رؤوس نووي جاهزة.

وعلى العموم ما لم يتم القيام بإصلاحات هيكلية في دول الشرق الأوسط وبناء نظام تعليمي أفضل ومعالجة قضية البطالة بين الشباب وتنويع الأنشطة الاقتصادية فإننا سنشهد تطرفاً كبيراً لدى الشباب العربي وتحوله نحو الإرهاب لأن عنصر الشباب قد فقد  كل شي وليس لديه ما  يخسره. لذلك على الحكومات أن تعي مخاطر تحول الشباب العربي الذين يشكلون قرابة 70% من السكان من جيل يبني المجتمع إلى جيل يهدم كل المجتمع على من فيه لأنه لن يعود لديه أمل في إصلاح ما أكل عليه الدهر وشرب وإصلاح ما خربه المسؤولون عبر حكومات متلاحقة.

فأي سيناريو ينتظر الشرق الأوسط في العام 2018 أو ما بعده، هذا بيد الحكومات ومسؤوليها. ولكن النصيحة أن لا تغالي الحكومات بأن الشعوب باتت مغلوبة على أمرها لأن من وصل به الأمر إلى الجوع والبطالة لن يأبه إلى القيام بكل ما من شأنه إعادة حقوقه المنهوبة وتغييرالحكومات التي ما عادت تخدم سوى أجندات أصحابها وأسيادهم. فهل يا ترى تنفع النصيحة من بهم صمم؟!

الأول نيوز