سلط أحمد عبوده، الزميل المشارك ببرنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد “تشاتام هاوس” البحثي، الضوء على تداعيات هجمات الحوثيين على السفن التجارية المتجهة إلى إسرائيل، والحربية الداعمة لها، في البحر الأحمر، واصفا إياها بأنها مفيدة للصين تكتيكيا لكنها مضرة استراتيجيا.
وذكر عبوده، في تحليل نشره بموقع المعهد وترجمه “الخليج الجديد“، أن مؤشر شنغهاي للشحن بالحاويات (SCFI)، الذي يقيس أسعار نقل البضائع المستوردة من الصين، ارتفع منذ 15 ديسمبر/كانون الأول، بنسبة 161% من 1029 دولاراً إلى 2694 دولاراً، لأن السفن باتت مضطرة للقيام برحلة أطول حول قارة أفريقيا (رأس الرجال الصالح) لتجنب هجمات الحوثيين في البحر الأحمر.
وأضاف أن الصين أعربت عن قلقها بشأن عدم الاستقرار الإقليمي في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لكنها نأت بنفسها عن الإطار الضيق الذي وضعته الولايات المتحدة وحلفاؤها للتصعيد باعتباره “أزمة لحرية الملاحة” على وجه الحصر، وبدلا من ذلك فسر نائب الممثل الدائم للصين لدى الأمم المتحدة، قنغ شوانغ، الوضع باعتباره تأثيرا مباشرا للحرب الإسرائيلية على غزة.
وشدد المندوب الصيني على أن أي رد عسكري بقيادة الولايات المتحدة يمكن أن يزيد من تدهور الاستقرار في اليمن والمنطقة ككل، ما يعني أن هجمات الحوثيين تسمح لبكين بتطوير انتقاداتها لسياسة الولايات المتحدة باعتبارها تؤجج حربًا غير عادلة وتساهم في عدم الاستقرار الإقليمي.
لكن أي تصعيد للأزمة من شأنه أن يمثل أيضاً تهديداً لنفوذ الصين في الشرق الأوسط، وهو ما قد يلحق الضرر بمصالحها المتنامية في المنطقة، بحسب عبوده، موضحا أن موقف الصين يتأثر بادعاء الحوثيين أنهم يستهدفون فقط السفن الإسرائيلية وتلك المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية.
حسابات معقدة
وتعتقد بكين أن أي دعم سياسي للتحالف البحري الذي تقوده الولايات المتحدة من شأنه أن يقوض دعمها لوقف دائم لإطلاق النار وعملية السلام في غزة، ويهدد آفاقها طويلة المدى لقيادة الجنوب العالمي.
وفي الوقت نفسه، من غير المرجح أن تتأثر التجارة الصينية بشدة بسبب الهجمات الحوثيين، الذين تجاهلوا ناقلات النفط حتى الآن، ومن شبه المؤكد أنهم سيتجنبون استهداف السفن الصينية، لتجنب إحراج إيران أو التسبب في تحول جذري بموقف بكين.
ورغم ارتفاع تكاليف الشحن وأقساط التأمين بشكل كبير، إلا أنها لا تزال أقل بكثير من مستويات فترة جائحة كورونا، فيما تراجعت صادرات الصين منذ يونيو/حزيران بسبب ضعف الطلب العالمي، ومن المتوقع أن يستمر هذا التراجع طوال شهر يناير/كانون الثاني الجاري بسبب نهاية موسم عيد الميلاد، قبل أن تنتعش مرة أخرى قبل حلول السنة القمرية الجديدة في فبراير/شباط.
وتسببت هجمات الحوثيين في خفض حركة المرور في ميناء إيلات بنسبة 80% لكن هذا الميناء يتعامل مع 5% فقط من التجارة البحرية الإسرائيلية، ما يسمح للصين بانتقاد “عملية حارس الازدهار” التي تقودها الولايات المتحدة باعتبارها “لا تهدف إلى حماية الاقتصاد الإسرائيلي بقدر ما تهدف إلى تأكيد قوة الولايات المتحدة في المنطقة”، حسبما يرى عبوده.
ويشير الزميل بمعهد “تشاتام هاوس” إلى أن اختيار الدول العربية الكبرى لعدم المشاركة في التحالف، وعدم وجود تفويض من الأمم المتحدة له، على عكس قوة العمل العسكرية لمكافحة القرصنة في القرن الأفريقي، والتي تعد الصين جزءًا منها، يعزز رؤية صينية مفادها أنه لا فائدة على الإطلاق من مشاركة قواتها البحرية في عملية أمنية ضد الحوثيين.
مخاوف السعودية
لكن عبوده يرى أن الصين يتعين عليها أيضاً أن تراعي مخاوف شركائها الأكثر أهمية في الشرق الأوسط، وعلى رأسهم: المملكة العربية السعودية، التي تتعلق بعملية السلام في اليمن.
فالحوثيون يريدون استخدام الأزمة لتحسين موقفهم في المفاوضات مع السعوديين، والحصول على الاعتراف بهم كحركة مقاومة حقيقية، وتأكيد أنفسهم كركيزة أساسية في “محور المقاومة” الإيراني.
ومن شأن الحملة العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة ضد أهداف الحوثيين أن تؤدي إلى تصلب موقف الحوثيين، ما قد يؤدي إلى انهيار مفاوضات السلام اليمنية، واستئناف هجمات الحوثيين بالصواريخ والطائرات المسيرة ضد أهداف سعودية وإماراتية.
ومن شأن انهيار عملية السلام في اليمن أن يلقي بعملية خفض التصعيد، التي تتوسط فيها السعودية وإيران إلى الهاوية، ما يعني عودة التنافس الشديد بين البلدين، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى عرقلة جهود الصين لتعزيز رؤيتها للأمن الإقليمي في إطار مبادرة الأمن العالمي، فالصفقة الإيرانية السعودية هي حجر الأساس لرؤية بكين الإقليمية، بحسب عبوده.
سيناريو صعب
وإزاء ذلك، يتوقع عبوده سيناريو للتصعيد في الأسابيع المقبلة، يمكن أن يعرض المصالح الصينية لضغوط شديدة، يتمثل في أن يشن التحالف، الذي تقوده الولايات المتحدة، هجوماً عسكرياً كبيراً لإنهاء سيطرة الحوثيين على الحديدة، وهو ميناء استراتيجي على البحر الأحمر، وإعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية، أو أن يوجه الجيش الأمريكية ضربات جوية على مواقع إطلاق الصواريخ الداخلية للحوثيين ومقار القيادة والسيطرة والقدرات البحرية التابعة لهم.
ويرى عبوده أن كلا الردين العسكريين يهددان بإشعال شرارة حرب إقليمية بمشاركة إيران المباشرة، ما سيؤدي إلى زيادة الغضب بين شعوب المنطقة، حيث سيُنظر إلى الولايات المتحدة على نحو متزايد على أنها تخوض حرباً لصالح إسرائيل.
ومن شأن مثل هذا السيناريو أن يشجع الحوثيين على محاولة منع الملاحة في المضيق بالكامل، وفي هذه الحالة فإن استئنافا سريعا للقتال في اليمن والهجمات الصاروخية الحوثية على البنية التحتية السعودية سيكون مرجحا.
وهنا يشير عبوده إلى أن الصين ربما تضغط على إيران لكبح جماح الحوثيين، لكنها ستكون سعيدة بالإرباك الاستراتيجي الذي تخلقه هجمات الحوثيين لإدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن.
ويضيف أن الرد العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة قد يؤدي إلى زيادة زعزعة استقرار المنطقة، بما يدعم رواية بكين عن التأثير السلبي للقيادة الأمريكية، فيما يهدد تقاعس الولايات المتحدة عن التحرك بإبراز حالة من الضعف، من شأنها أن تعجل بتحوط بلدان المنطقة، وتجعلها أقرب إلى الصين وروسيا.
وإزاء ذلك، يرى عبوده ضرورة رفع التنسيق بين الولايات المتحدة وبريطانيا وحلفائهما مع الدول العربية بشأن الأزمة وأخذ مخاوفهم على محمل الجد، ونزع الشرعية عن موقف الصين بإضفاء الشرعية على التحالف البحري من خلال السعي للحصول على تفويض من الأمم المتحدة لعملياته، مع إعطاء الأولوية للحلول الدبلوماسية.
ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى ضرب عصفورين بحجر واحد من خلال تحقيق خفض التصعيد مع الحد الأدنى من المخاطر على الاستقرار الإقليمي، بحسب عبوده، الذي يؤكد، في الوقت ذاته، على أن السياسة النهائية لتحقيق الاستقرار ستتلخص في دعم الولايات المتحدة لوقف فوري لإطلاق النار في غزة، إذ سيساعد ذلك أكثر من أي إجراء آخر على تقليل التوترات في البحر الأحمر ومساعدة إدارة بايدن على مواجهة النفوذ الصيني والروسي طويل المدى في المنطقة.
وبدون ذلك، ستستمر الرواية الصينية، التي تصور الولايات المتحدة باعتبارها قوة مزعزعة للاستقرار، في حمل ثقلها بالشرق الأوسط والجنوب العالمي على نطاق أوسع، بحسب عبوده.