يواصل تكتل “بريكس” بقيادة الصين وروسيا مساعيه لتقويض الهيمنة الأمريكية والغربية على الاقتصاد العالمي، لاسيما بعد إعلانه ضم 6 دول جديدة بينها السعودية والإمارات ومصر، لكن تحديات جوهرية تعترض طريق إمساكه بزمام النظام العالمي.
وكان التكتل الاقتصادي الذي يضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا أعلن في 24 أغسطس/آب الماضي أن الإمارات والسعودية وإيران ومصر وإثيوبيا والأرجنتين يمكن أن تنضم رسميًا إلى الكتلة الموسعة في يناير/كانون الثاني 2024.
وإذا قبلت الدول الست دعواتها، فإن الكتلة ستمثل 46% من سكان العالم و36% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
تحدٍ صيني روسي
وبهذا الصدد تقول منصة “أسباب” في تقرير لها، إن الصين تعد حاليا الأكثر تأثيراً ونفوذاً داخل “بريكس”، وبالرغم أن قرارات الكتلة تستند إلى الإجماع فمن الصعب تجاهل مطالب ورغبات الصين.
ويشير التقرير إلى أن الناتج المحلي الإجمالي للصين من ضعف نظيره في جميع دول بريكس الأخرى مجتمعة، فتمثل حصة بكين من إجمالي إنتاج أعضاء “بريكس” حوالي 70%، كما تمثل 69% من مجموع واردات وصادرات الأعضاء.
بالإضافة إلى ذلك، فإن روسيا، القوة العظمى الأخرى في المجموعة، أصبحت معزولة في أعقاب حرب أوكرانيا وتعتمد حالياً بشكل كبير على بكين، حسب التقرير.
ويوضح أن بكين ترى أن ضم أعضاء جدد إلى بريكس بحيث تمثل الكتلة حصة مماثلة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي لمجموعة السبع (G7)، من شأنه أن يمنح الصين نفوذاً دولياً أكبر ويساهم في تقويض الهيمنة القطبية الأمريكية.
ويبين التقرير أن بكين وموسكو تسعيان وسط تصاعد التوترات مع واشنطن إلى إيجاد تكتلات تعمل كثقل موازن للنظام الدولي الأحادي القطب الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون.
ويضيف: “لا توجد كتلة أخرى يمكن أن تقوم بهذا الدور، تحديدا في جانبه الاقتصادي والتجاري، أفضل من مجموعة بريكس، إذ إن منظمة شنجهاي للتعاون هي منظمة أوراسية أكثر مما ينبغي، فيما تخضع مجموعة العشرين لهيمنة أعضائها الغربيين”.
وينوه التقرير إلى أن مساعي الصين تتكامل لتوسيع كتلة بريكس مع استثمارها في مبادرات وهياكل بهدف زيادة نفوذ بكين عالميا، والتصدي لجهود عزلها، والتي تشمل مبادرة الحزام والطريق والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية ومجموعة بريكس الموسعة والبنك التابع لها (بنك التنمية الجديد).
ويؤكد أن دعوة أربع دول في الشرق الأوسط لعضوية “بريكس” يشير إلى اهتمام الصين وروسيا المتزايد بتوسيع علاقاتهما الاقتصادية والعسكرية والسياسية مع الشرق الأوسط.
ويتابع التقرير أن دول “بريكس” ساهمت في تخفيف وطأة العقوبات الغربية على موسكو، وذلك من خلال اختيار عدم الامتثال للعقوبات الاقتصادية والمالية التي تقودها واشنطن وحلفاؤها، في حين تأمل روسيا أن يؤدي توسيع العضوية إلى إضعاف فعالية العقوبات الاقتصادية الغربية وكسر العزلة الدولية التي يسعى الغرب لفرضها على موسكو، ولذلك كانت الأخيرة هي أحد المحركات الرئيسية لعملية توسيع بريكس.
ماذا يريد الأعضاء الجدد؟
وحول دوافع انضمام الأعضاء الجديد للمجموعة، تقول “أسباب”: “بالنسبة للسعودية والإمارات، فإن الانضمام إلى بريكس سيكون موضع تقدير؛ لثقلهما المالي وقدرتهما على ضخ الأموال في بنك التنمية التابع للكتلة”.
وفي المقابل؛ فإن انضمام الرياض وأبوظبي لمجموعة بريكس يتناسب مع تطلعاتهما إلى تعميق التعاون مع الدول غير الغربية وتنويع شراكاتهما الاقتصادية، وذلك بينما تسعى السعودية إلى إعادة ضبط علاقاتها مع أمريكا، كما تتعرض العلاقات الإماراتية الأمريكية لاختبار استعادة الثقة.
من جهة أخرى، فإن الانضمام إلى بريكس يجلب فرصا استثمارية وتجارية جديدة للبلدين الساعيين إلى توسيع وتنويع اقتصاداتهما، حسبما أورده التقرير.
ويضيف: “بينما تأمل مصر أن يساهم انضمامها إلى المجموعة في مساعدة البلاد لإيجاد حلول لأزماتها الاقتصادية والمالية المعقدة”.
ويلفت التقرير إلى أن القاهرة تنظر لمسألة الانضمام كخطوة ذات مغزى سياسي تشير إلى استمرار تقدير قوى دولية رئيسية لأهمية البلاد الجيوسياسية، رغم تدهور مكانتها الإقليمية مؤخرا، في الشرق الأوسط وأفريقيا. في المقابل؛ فإن دعوة إثيوبيا لا تدع مجالا للشك حول محورية أديس أبابا في القرن الأفريقي”.
وبالنسبة لإيران فإنها تنظر –حسب التقرير- إلى عضويتها في بريكس كوسيلة إضافية للحد من تأثير العقوبات الغربية التي تستهدف عزلها دوليا، والتي تنظر للخطوة في أنها تعزز المحور المناهض لواشنطن داخل الكتلة؛ حيث تتشارك إيران مع روسيا والصين في أولوية تقويض الهيمنة الأمريكية وتعزيز التعددية القطبية في النظام الدولي.
وتتابع “أسباب”: “رغم أن السعودية والإمارات استثمرتا الظروف الجيوسياسية الناتجة من الحرب الروسية الأوكرانية في تبني سياسة خارجية أكثر استقلالية، لكنهما في الوقت نفسه حريصتين على تعزيز العلاقات والتعاون الأمني واسع النطاق مع الولايات المتحدة والغرب”.
ويستطرد التقرير بالقول: “لا يختلف الوضع مع مصر التي ترتبط بتعاون أمني وثيق مع أمريكا وبعلاقات اقتصادية قوية مع المؤسسات الغربية”.
ونتيجة لذلك، فإن عضوية الدول الثلاث في بريكس لن تؤدي بالضرورة إلى تحدي الهيمنة الأمريكية، بل قد تفيد في تعزيز توجهات البرازيل والهند وجنوب أفريقيا، الأمر الذي قد يمنع بكين وموسكو وطهران من توريط مجموعة بريكس في صراع مع الغرب، وفق التقرير.
عملة مشتركة
وتطرق التقرير إلى إمكانية التوصل إلى عملة مشتركة تكسر هيمنة الدولار، قائلا إنه من غير المرجح أن يتحقق ذلك في المدى القريب.
ويعلل ذلك بالقول: “تستلزم العملة المشتركة أن يتوافق الأعضاء بشكل كامل على الصعيد الجيوسياسي، كما يتطلب تنفيذ الدول الأعضاء تعديلات هيكلية وإصلاحات مالية كبيرة وجوهرية، وتخطي عقبات أساسية تشمل تحقيق تقارب الاقتصاد الكلي، والاتفاق على آلية لسعر الصرف، وإنشاء نظام فعال للدفع والمقاصة المتعددة الأطراف، وإنشاء أسواق مالية مستقرة ومرنة”.
ويرى التقرير أن “كل هذه متطلبات تبدو بعيدة المنال في العقد الجاري، خاصة وأن بنك التنمية الجديد في شنجهاي (NDB)، والذي يضم أعضاء بريكس الخمس، مع بنجلاديش ومصر والإمارات، لا يزال يصدر القروض في أغلب الأحيان بالدولار الأمريكي أو اليورو، الأمر الذي يقلل التوقعات حول جدية دعوة أعضاء بريكس إلى السعي للحد من هيمنة الدولار قريبا”.
ويتوقع أن تحقق “بريكس” خطوات واسعة في استخدام العملات المحلية في التجارة البينية التي ستؤدي إلى استدامة وتعزيز الروابط التجارية بين الأعضاء؛ كما يمكن أن تؤدي إلى مزيد من تقليص حجم التجارة العالمية التي تتم بالدولار.
فعلى سبيل المثال، تدرس السعودية توقيع اتفاق مع الصين لتسوية معاملات النفط باليوان الصيني، كما دفعت الهند أول دفعة نفطية لدولة الإمارات بالروبية في منتصف أغسطس/آب الجاري، وشهدت الأشهر الماضية عقب حرب أوكرانيا زيادة كبيرة في تداول اليوان في السوق الروسية، حسب التقرير.
ويستدرك: “لكنّ هذه الإجراءات مازالت محدودة التأثير على مكانة الدولار، حيث مازال يستحوذ على 59% من إجمالي الاحتياطيات العالمية، بينما تستحوذ عملات بعض دول مجموعة السبع (الدولار الأمريكي، اليورو، الين الياباني، والدولار الكندي) على إجمالي 91.6% من إجمالي الاحتياطيات العالمية”.
ويتابع التقرير: “بالإضافة لذلك؛ فإن بعض خطوات الحد من الدولرة التي أشرنا إليها من الممكن التراجع عنها مقابل امتيازات أمريكية، مثل الاتفاق الأمني الواسع الذي يجري مناقشته حاليا بين السعودية والولايات المتحدة، والذي تشترط فيه أمريكا استمرار ربط مبيعات النفط السعودي بالدولار”.
وبينما تُظهر دراسة مهمة أن الدولار لا يزال هو العملة المهيمنة في كل جانب من جوانب النظام المالي العالمي الحالي تقريباً، يقول التقرير إنه من غير المرجح أن تحل عملة أخرى محله في أي وقت قريب، وتوضح أيضا أن مبادرات مجموعة بريكس للحد من الدولرة من الممكن مع الوقت أن تساهم في إنشاء بنية تحتية بالغة الأهمية لنظام مالي عالمي بديل محتمل لا يعتمد على الدولار، دون أن يعني هذا اختفاءه أيضا.
ويستكمل بالقول: “يبدو هذا احتمالا بعيد المدى، لكن، في المقابل، لا ينبغي تصور أن مكانة الدولار باقية إلى الأبد على أية حال”.
ويشدد التقرير على أن فاعلية وتماسك بريكس بات رهنا بقدرتها على التوفيق بين مصالح أعضائها، وهو أمر ليس من المرجح تحقيق تقدم فيه في المدى القريب.