فاطمة أحمد الثني
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية بدأت دول العالم الثالث المستعمرة و الدول العربية المستعمرة تسعى إلى الحصول على استقلالها من اجل تحقيق الوحدة بين الدول العربية ، وبرزت على اثر ذلك العديد من الحركات القومية ، مما ادى بالعديد من المفكرين و الباحثين إلى تسمية القرن العشرين ” عالم الدول القومية National State” .
أن الشعور بالانتماء إلى الأمة العربية من المحيط إلى الخليج يعدّ من أهم منجزات المشروع النهضوي العربي ، و لكن رغم ذلك ، هناك العديد من المعوقات امام تحقيق الوحدة العربية الشاملة ، و في مقدمتها مدى تأثير العوامل الخارجية التي تتمثل في القوى الاستعمارية بما تتمتع من قوة سياسية و اقتصادية و ثقافية و عسكرية ، ناهيك على الحقبة التي تم استعمار الاقطار العربية ، و النتائج السلبية من الناحية السياسية و الاقتصادية و الثقافية و العسكرية المترتبة على تلك المرحلة ؛ حيث ادت إلى ازدياد تخلف الأقطار العربية ، اضافة إلى ” غرس إسرائيل ” في قلب الوطن العربي ، و زعزعة الاستقرار و الأمن في منطقة الشرق الاوسط و المنطقة العربية ،كما شكل وجود القوى الصهيونية عقبة أمام تحقيق الوحدة العربية بكافة أنواعها ، و خاصة من خلال طرح فكرة السوق الشرق أوسطية التي تهدف إلى تذويب ” القومية العربية ” التي شكلت تحدي أمام تحقيق ” الوحدة الاقتصادية العربية ” ، و يمكن تعريف القومية العربية بأنها ( حركة سياسية قومية تهدف إلى تحقيق استقلال الشعب العربي استقلالا تاما و بعث الحضارة العربية ، و تحقيق الوحدة بين الأقطار العربية لتشكل الأمة العربية دولة واحدة تستطيع أن تساهم في الحضارة الانسانية ، و تشارك في بناء عالم قائم على العدل و الحرية ) ([1]) ، و من هنا يتضح أن القومية العربية عبارة عن حركة سياسية قومية تهدف إلى تحقيق استقلال الشعب العربي ، استقلالا على المستوى السياسي و الاقتصادي و الثقافي و الاجتماعي ، و ذلك من خلال ” أحياء الحضارة العربية ” ، و تحقيق الوحدة العربية بين كافة الأقطار العربية ، لتشكل الأمة العربية ” دولة عربية واحدة ” و تساهم في الحضارة الانسانية ، و تشارك في بناء عالم قائم على العدل و الأمن و الحرية ، و من ثم انتهجت بعض الدول العربية العمل على تحقيق نمط من انماط الوحدة سعياً إلى تحقيق الوحدة العربية الشاملة ، و رغم ذلك واجهت الدول العربية العديد من المعوقات و التحديات .
منهجية الدراسة :
من أهم اسباب الدراسة :
- كل الدول العربية تعمل على احياء القومية العربية بهدف ” لمّ الشمل ” المجتمعات العربية .
- تعدّ القومية العربية مدخل اساسي لتحقيق التكامل العربي .
- معظم التكتلات الاقليمية الاقتصادية الدولية تسعى إلى التعريف بمدى أهمية مصطلح القومية في ” التكتل ” ، و الدول العربية من أبرز هذه ” التكتلات ” و يتبين ذلك في الدراسة التاريخية السياسية لإقامة ” منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى ” ، و التي نستعرضها في هذه الورقة البحثية .
اهداف الدراسة :
- أن قراءة جيل اليوم ” القومية العربية ” يعزز في عقولهم التمسك بالعادات و التقاليد العربية و التاريخ المشترك ، و اللغة العربية .
- العمل على إقامة دولة فلسطين و مساعدة المجتمع الفلسطيني من الناحية العلمية و تحقيق التكامل الاقتصادي و الاجتماعي في فلسطين .
- التصدى لفكرة ” مشروع الشرق الأوسط الكبير ” الذي يهدف إلى تمزيق المنطقة العربية .
أهمية الدراسة :
- حماية جيل اليوم و الغد من طمس القومية العربية .
- القومية العربية تعدّ مدخل أساسي لنجاح العمل العربي المشترك .
- التصدى لحالة الانشقاق و الافتراق و الانسحاق بين الدول العربية المترتبة من مشروع الشرق الأوسط الذي يهدف إلى غرس ” إسرائيل ” اقتصادياً ثم اجتماعيا و ثقافيا في المنطقة العربية .
- تقديم المساعدة للمجتمع الفلسطيني على تحقيق التكامل الاجتماعي و الاقتصادي و العلمي .
الفترة الزمنية :
تمتد منذ قرون إلى يومنا هذا ؛ دراسة تاريخية – سلوكية – حديثة – مابعدية .
انماط الوحدة العربية ، هي :
- الوحدة التاريخية و السياسية .
- الوحدة الاقتصادية .
- الوحدة الإنسانية و الثقافية و الاجتماعية .
- الوحدة العسكرية الأمنية .
اولاً : الوحدة التاريخية و السياسية :
رغم أن الأمة العربية أسست على ” حضارة و ثقافة منذ قرون ” ، إلا أنها خلال الفترة التي امتدت من 750 إلى 1517 م بدأت هيمنة القوى الأجنبية على الوطن العربي من الناحية السياسية و الاقتصادية و الثقافية و العسكرية ، و هي آخر مرحلة من مراحل الدولة العباسية ، و تزامن ذلك مع سيطرة الدولة العثمانية على معظم أجزاء الوطن العربي ، و استمر الجهل و التخلف في الوطن العربي لما يزيد على اربعة قرون .
- الوحدة التاريخية :
شهدت ” المنطقة العربية ” قيام و اندثار العديد من الدول و الامبراطوريات ، تمكنت من إقامتها القبائل و الشعوب ، ترجع بأصولها السلالية في الأعم إلى المنطقة العربية ، كذلك تعرضت ” المنطقة ” إلى العديد من الغزوات و الهجرات من جوارها الآسيوي و الأوروبي بشكل أساسي ، و شكلت تلك الهجرات سبل التبادل التجاري و الحروب التي كانت تقوم بين الحين و الآخر ، امتزجت الشعوب و القبائل و ازدادت قرابتها من الناحية العرقية و اللغوية ، و اتسعت و تعددت طرق و سبل التأثير المتبادل فيما بينها على المستوى الديني و الفكري و الثقافي و الفني ، مما ادى إلى تماثل و توافق مجموعة من القيم و أنماط السلوك و أساليب و وسائل الانتاج و أدواته ، مما سهل عمليات الاندماج في ما بين الشعوب المنطقة و قبائلها و ازدادت درجة التقارب بين الموروثات الحضارية .
أن خضوع المنطقة العربية منذ ” الغزو الفارسي الذي امتد بقيادة قمبير سنة 525 ق . م إلى دلتا مصر ” حتى الفتح العربي الاسلامي أواسط القرن السابع الميلادي لهيمنة من الناحية السياسية و الاقتصادية و الثقافية و الاجتماعية الأجنبية سواء أكانت فارسية أو يونانية ، أو رومانية – بيزنطية ، ادت إلى تعطيل نموها القومي ، و وقف تطورها الحضاري ، و تبعا لذلك خضوعها على المستويين القومي و الحضاري لمؤثرات خارجية ضاغطة .
شهد القرن السادس الميلادي العديد من التحولات الجذرية في منطقتي الهلال الخصيب و شبه الجزيرة العربية ( إذ قضى الساسانيون على كيان المناذرة في العراق ، وصفى البيزنطيون كيان الغساسنة في بلاد الشام ، و زالت دولة كندة في شبه الجزيرة ، فيما استولى الأحباش عن اليمن ) ([2]) ، و من خلال مدى تأثير صراع فارس و بيزنطة و حلفائها الأحباش ازدادت درجة تنافس كل من اليهودية و النصرانية في اقتحام منطقة شبه الجزيرة ، كذلك حاولت بيزنطة و فارس التحكم في التجارة الدولية ،
و خصوصاً في المحيط الهندي ، و في المقابل تمثلت الاستجابة العربية في بروز وعي سياسي وحدوي يجسده الاتجاه نحو الأحلاف ، و ازدياد الوعي الاجتماعي ، و من ثم احتلت ” مكة ” دوراً مركزياً في هذا التوجه ، و أصبحت ” قريش ” بزعامة ارستقراطية تجارية تمارس دوراً قيادياً في :
- تشكيل الأحلاف القبلية ” الايلاف ” .
- اتخاذ موقف حيادي في صراعات بيزنطة و فارس .
- عقد اتفاقيات مع دول الجوار بهدف تعزيز دور العرب التجاري .
و تزامن ذلك مع استكمال اللغة العربية و حدتها ، و الاتجاه من أجل التضامن و الوحدة في مواجهة العدو الخارجي ، من هنا يتضح ان مرحلة التسلط الأجنبي الأولى ادى إلى تعطيل النمو القومي لشعوب المنطقة و أوقف تطوره الحضاري المستقل ، و في المقابل لم تعطل التوجه الوحدوي الذي تبلور خلال المرحلة السابقة ، بل ازداد من خلال إفراز ما يمكن تسميته ” النزوع القومي ” الذي تجسد بالامنتاع عن الاندماج بالآخر ( الوافد ) ، و من ثم بروز التفاعل المؤثر ما بين شعوبها و قبائلها .
مع بداية القرن العشرين تعرضت الدول العربية للاستعمار ، و تميزت الممارسات الاستعمارية في الدول العربية بأنها جاءت مركبة ، و ذات أهداف دينوية و دينية ، و أبعاد استراتيجية آنية و مستقبلية ، و من ثم قامت الدول الاستعمارية بالتفكيك الوحدة بين أبناء الوطن الواحد من خلال العمل بكافة الطرق و السبل من أجل ربط كل مستعمرة عربية بالإدارة الاستعمارية خارج الارض العربية ، علما بأنه رغم خضوع أكثر من كيان عربي لدولة استعمارية واحدة ، و تم وضع خرائط الكيانات السياسية التي أصبحت اقطاراً فيما بعد ، و ذلك بما يتفق مع مصالح و أهداف الدول الاستعمارية أو استناداً إلى التسويات التي تمت فيما بينها ، حيث تم التفتيت في سوريا و فلسطين و الأردن و المغرب و موريتانيا ، أو ” الوحدة ” كما حدتث في العراق و لبنان أو من خلال ترسيم الحدود بين كيانين متجاورين ، كذلك لكافة الأقطار العربية ، و تتميز الحدود فيما بين الدول العربية المعاصرة بأنها ليست تخوماً طبيعية مانعة ، حيث لا يفصل بين أي كيانين عربيين ، ما يسمى مجازاً ” القطر الثالث ” الذي يميز عادة الحزام التخومي ، و الذي يتصف بأنه ذات طابع خاص عن مجتمعي الدولتين ( بسبب أن الحدود لا تفصل بين كيانين مختلفين ، و إنما قامت بين أجزاء كيان حضاري ، ثقافي ، و إنساني واحد ) ([3]) .
مما سبق يتضح ، أن الاستعمار قام بالتخطيط متعمد و مرسوم ، من خلال مجموعة من مختصون في مختلف الاختصاصات العلمية و المهنية قاموا بتنفيذها ، حيث تمت التجزئة السياسية لأول مرة في تاريخ المنطقة العربية ، مقارنة بالعهد العثماني الذي لم يقم بوضع كوابح رسمية تشكل عائق أمام حركة السلع و الاشخاص و الأفكار بين مختلف أرجاء المنطقة العربية ، و لم تتبلور خلال فترة طويلة هويات متمايزة ، و في المقابل لم يكن الاستعمار محايداً ، فيما يتعلق بالتجزئة ، بل لعب دوراً رئيسياً في تجذير القطرية من خلال إقامة المؤسسات التي اقامتها الإدارات الاستعمارية ، و بالأنظمة و القوانين التي أصدرتها ، و بالجنسيات القطرية التي تم اصطنعها و النخب التي أبرزتها ، و يمكن القول ، بأن التجزئة السياسية في الواقع العربي هي طارئة و مفروضة و مصطنعة ، نظراً لأنها لم تكن نتيجة تطور طبيعي في حياة أي قطر عربي ، بل جاءت من خلال ممارسات استعمارية ، استهدفت تعطيل الطموح الوحدوي التاريخي من أجل إطالة فترة ” استغلال الوطن العربي ” من حيث أهمية موقعها الجيو استراتيجي السياسي –الاقتصادي ، و مواردها و أسواقها و طاقاته البشرية .
أن مرحلة الاستعمار المباشر شهدت العديد من النضالات على المستوى القطري العربي تمحورت بالشكل اساسي حول مطالب التحرر و الاستقلال ، و قامت بقيادتها حركات التحرر الوطنية القطرية العربية ، و اكتسبت من خلال مرحلة نضالها مكانة عند النخب و الشعوب الاقطار العربية ، و ساهمت بدورها في بلورة وعي وطني قطري و هوية قطرية ، و أرست و رسخت في حياة كل دولة تاريخاً و تراثاً متصلين بالحاضر ، و اصطنعت رموزاً قطرية ، العلم ، النشيد ، الأعياد الوطنية ، و اجتهدت الحركات الوطنية العربية في زيادة ترسيخها في النفوس العربية ، علماً أن الدول العربية لم يتم استعمارها في وقت واحد ، و لا من قبل دولة استعمارية واحدة ، و هذا يفسر لنا تفاوت النضالات القطرية خلال زمن تفجرها ، كذلك يتضح عدم توفر الظروف المناسبة من أجل بروز حركة قومية عربية قائدة ، أو بلورة استراتيجيا قومية شاملة ، و في هذا يقول المناضل ” بهجت أبو غربية ” من فلسطين ( الوحدة العربية هدف عملي قابل التحقيق ، و لو أنه ليس بالهدف السهل ، و لكن لابد القيام دولة الوحدة العربية من وجود حركة جماهيرية منظمة على نطاق قومي ، تعمل على تعميق المشاعر القومية و تحارب النعرات الاقليمية ، و تبين للجماهير مضار التجزئة و فوائد الوحدة القومية ، و بدون قيام مثل هذه الحركة يصعب تصور قيام دولة الوحدة العربية ، كما أن مجرد قيام هذه الحركة في ذاته لا يضمن تحقيق الوحدة أن لم يكن محتوى هذه الحركة محتوى تحررياً نضاليا تقدميا ) ([4]) ، اضافة أن المرحلة الاستعمارية رغم كافة سلبياتها ، شهدت بفعل قانون التحدي و الاستجابة ، مجموعة من المتغيرات الايجابية ، و هي :
- ازدياد الوعي الوطني و القومي العربي .
- الاتجاه بشكل أوسع نحو تحقيق الوحدة العربية حيث تم الاعلان عن جامعة الدول العربية بتاريخ 25/3/1945 م .
- زيادة الاهتمام باللغة العربية و الثقافة العربية بهدف ابرز مقومات الوجود القومي العربي .
- التأكيد على وحدة النسيج الاجتماعي الوطني القومي العربي .
أن الاستعمار اصطنع التجزئة و فرضها في تناقض مع السياق التاريخي للأمة العربية ، و وضع كافة العقبات و المشاكل امام الطموح الوحدوي ، و لكن رغم كافة التراكمات السلبية التي ترسبت بالعمل بصورة متواصلة على كافة المحاور لم يتمكن من تعطيل مقومات الوجود القومي العربي ، بل على العكس استفزها و اذكائها مما ادى إلى زيادة ترسيخها و تعميقها .
أن مشروع الوحدة العربية الشاملة ، لا يمكن تحقيقها إلا اذا كان مبنياً على التطور واضح و سليم للواقع ، و تحديد المشاكل و الظروف المحيطة به ، و دراسة الابعاد التاريخية ، دراسة كلية و شاملة على كيفية نشأة الأوضاع ، بهدف ادراكها ، و من هنا فإن ( الوحدة العربية مشكل شغل اجيالا بكاملها من الدارسين و السياسيين العرب و الأجانب ) ([5]) ، و بناء على هذا نستدل بآراء ” الاستاذ فرج السطنبولي ” الذي اولى اهتماماً بصورة اساسية إلى ( تأثير العوامل الخارجية ) ، حيث قال ، أن هذه العوامل لا تملي مصالح اصحابها بطريقة مباشرة ، و انما يتم استخدام بعض الطبقات الاجتماعية المحلية ، في القيام بتنفيذ المخططات الأجنبية ، و من ثم ارتكز البحث على تلك الطبقات و تركبيتها ، و اهتم بالطبقة الوسطى التي تمكنت من احتلال مراكز في السلطة ، و تسعى الى الحكم في الدول العربية ، أن تلك الطبقة المتشكلة من بعض المثقفين و التقنوقراطيين يسعون إلى نوع من الحكم الانغزالي المطلق ، و لا ترى مصالحها في وحدة من شأنها تقلل من نفوذها أو تزيلها ، حيث أن حلفاؤها الموضوعيون ليس عربا و إنما هما أجانب ، نظراً لارتباطهم بمصالح ، و هذا يفسر خلو الخطاب افراد تلك الطبقة من كل وضوح و جدية ، و لجأ إلى عموميات تخاطب الأمة بلغة لا تفهمها و باسلوب أجنبي عنها ، و يقول الكاتب في هذا ( بانها تعيش ازدواجية فكرية و ايديولوجية التي تكاد أن تبلغ حد مرض الانقسام النفسي ” السكيسوفرينيا ” فاصحابها مقلدون للغرب في كل ما يأتي و ما يدع و معجبون بكل انتاج غربي مهما كان لكنهم في الوقت نفسه يريدون ان يتمسكوا بمقومات شخصيتهم العربية انهم يعيشون في الوقت نفسه في عالمين كل واحد منهما منعزل و غريب عن الاخر ) ([6]) ، أن هذا الضياع و الحيرة يوضحان في نظر الكاتب ارتباك كافة التيارات الايديولوجية الوحدوية ، و عدم وضوح رؤيتها ، و كيفية فشلها عندما دخلت حيز التطبيق ، و سوف تظل الاوضاع على ما هي عليه ،
إلى أن يدرك العرب و طبقاتهم الحاكمة و مفكروهم كيفية التنسيق بين ما يثير اعجابهم و استجلابهم من الغرب ، و ما يشدهم إلى مقومات أصالتهم ، اذن ” ملف الوحدة العربية ” في نظر ” الاستاذ فرج السطنبولي ” هو بين ايدي ” القوى الداخلية ” بشكل اساسي التي تجد نفسها مضطرة إلى التعاون مع الامبريالية بمختلف انواعها سواء أكانت سياسية أو اقتصادية أو الثقافية أو العسكرية .
أما ” الاستاذ جلال أحمد أمين ” الاختصاصي في علم الاقتصاد السياسي ، يقول أن ” ملف الوحدة العربية ” هو بصورة اساسية في يد المصالح الأجنبية ، و أن العوامل الداخلية ذات تأثير محدود ، و في هذا الصدد ، يمكننا الاستعانة بالنموذج واضح المعالم ، و هو ” النموذج الخلدوني ” الذي يستوجب فهم و معرفة أسس النموذج الخلدوني ، و الاحاطة بالتنظير الخلدوني ، أن قراءة المقدمة توضح ، أن التحليل يستند إلى ثلاثة قوانين ، و هي :
- طبيعية تشكل الدعائم التي تسند الهيكل التنظيري و أول تلك القوانين هو أن المجتمعات الانسانية هي وليدة الضرورة الاقتصادية ، و هي التي تتحكم في كيفية تشكلها و تطورها .
- أن التطور الحتمي للمجتمع يمر من خلال ثلاثة مراحل ، و هي 1 – مرحلة البداوة ، 2- مرحلة الحضارة ، 3- مرحلة الانحطاط ، ( تدخل الأمة مرحلة الانحطاط ، فهي لأنها أخذت تعرف التفرقة بعد أن كانت تنعم بالوحدة ، و هي أخذت تذوق طعم الفقر بعد ان نعمت بالغني و هي أخذت تعود إلى ” عجز ” البدواة بعد أن مارست قوة الحضارة في أحسن مظاهرها ) ([7]) .
مما سبق يتضح أن المراحل الثلاثة تتربط بعلاقة جدلية فيما بينها ، و الجدير بالقول أن مرحلة الانحطاط تتغير صورها و أشكالها و أنواعها ، لكن مضمونها واحد ، نظراً لانها تتمحور حول العوامل التالية :
- الخضوع السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي لقوى أجنبية مختلفة
- الجهل الكامل بــ” افراد القوم ” مما ادى إلى سوء الظن .
- عدم القدرة على بناء الانسان العربي و إقامة مجتمع معرفي .
- يؤكد على أن الحاجيات الإنسانية تتسم بالزيادة المطردة و التنوع حسب الزمان و المكان و الازدواجية ، أى أنها في ذات الوقت مادية و غير مادية .
من خلال الدراسة الموجزة لمحور ” الوحدة التاريخية ” ، تتضح مجموعة من النقاط ، الآتية :
- أن الأمة العربية أسست على ” حضارة و ثقافة ” ، كانتا موجودتين في شبه الجزيرة العربية .
- يعود نجاح الأمة العربية إلى الاحتفاظ بالجذوز التاريخية في اطار صياغتها ” صياغة جديدة ” ، و تعبئتها بهدف تحقيق أهداف و مصالح سامية واضحة تتمثل بصورة أساسية في تحقيق سعادة و بناء الانسان العربي .
- أن النجاح لم يكن ” معجزة ” بالمعنى الفلسفي القائل بالغاء قوانين الطبيعة اثر تدخل مباشر من ” طرف الله ” بل ان المعجزة الحقيقية هي في الاعتراف بتلك القوانين و ضرورة احترامها .
- أن فشل الأمة العربية و تفرقها و تمزقها يرجع إلى خرقها للقوانين الطبيعية بصفة عامة ، و عدم احترامها للقانون المدني بصفة خاصة .
- الوحدة السياسية :
أن الوحدة العربية مبدأ و هي مشتقة من المثل العليا للأمة العربية و خطة عمل من اجل تحقيق التقدم بالمفهوم الواسع للتقدم ؛ الذي تسعى إليه كافة الشعوب الأمة العربية ، تعدّ الوحدة العربية هدفاً سامياً تسعى كافة الشعوب العربية إلى تحقيقه ، بغض النظر عن الظروف البيئة المحيطة الداخلية و الخارجية من الناحية السياسية و الاقتصادية و الثقافية و الاجتماعية ، و من ثم فإن ( عملية التقدم البشري كانت دوماً عملية تغيير الظروف الموجودة و خلق اوضاع جديدة ) ([8]) .
يتسم الواقع العربي بصفة أساسية بإنه قابل للتغيير السريع أي أن الشكل السياسي ليس ثابتا ، و هو متغير بصورة مستمرة ، بمعنى ادق ليس شكل الأمد الطويل ، حيث أن تحقيق خطوة نحو الوحدة بين قطريين عربيين ، قد يؤدي في معظم الاحيان إلى ضرورة انضمام قطر أو مجموعة اقطار بصورة طوعية ، أن الوضع الجديد قد يحدث تغير مجمل الوضع الحالي بالنسبة إلى ” الكيان الصهيوني ” ، مما قد يسبب حدوث هزات وجدانية عميقة ، تعمّ الوطن العربي محدثة العديد من التغييرات الرئيسية ، و هذا بدورها أدى إلى توسيع ” دائرة النهضة العربية ” ، و تسارع عملية الوحدة ، و كل ذلك في حالة معينة و بشروط معينة قد يكون بسبب تغيير نظام محدد في دولة عربية معينة ، و الجدير بالقول ، ان ذلك لا يعنى ان حتمية رياضية بالشكل المبسط القائم ، على أنه اذا تم حدوث كد فسوف يحدث كد ، نظراً لان التطور الاجتماعي ليس في شئ من ذلك ، و لكن المهم هو أن الوضع العربي نظراً لتغيير واحد في دولة عربية واحدة قد يؤدي إلى تغييرات متتالية و متتابعة ، بحيث تتسع دوائرها بصورة حلوزنية تؤدي إلى نتائج ، لا يدل عليها المظهر الساكن للوضع السياسي العربي الموجود حالياً .
مما سبق يتضح ، أن هناك العديد من الأمور التي تعدّ موضع اختلاف في وجهات النظر قابلة للدراسة و الجدل و الاجتهادات ، و في المقابل هناك أمور ليست قابلة للنقاش أو الاجتهادات ، أهمها أن الوضع العربي يتصف بالترابط و وجدية العلاقة بين اقطاره ، أن ما يحدث في قطر عربي ، يؤثر بشكل اساسي على الاقطار الآخرى ، و أن الأنظمة العربية الحالية ليست نهائياً ، فهناك القومي و هناك السياسي ، و هذا يوضح لنا ، أن الوضع القطري هو وضعاً مؤقتا ، إضافة إلى أن الأقطار العربية هناك من يوجد داخله تناقض جوهري من خلال تعرضه لتغيير بصفة مستمرة و دورية ، قد يؤدي إلى تطوير عوامل التغيير ، و تتيح الظروف المساعدة لذلك ، مع الأخذ بالعلم ، أن كافة تلك العوامل ليست محصورة في نطاق القطر الواحد الذي تطور فيه ، بل قد تمتد إلى خارج الحدود القطرية سواء كان في المجال الأمني أو غير ذلك ، و خصوصاً فيما يتعلق بكيفية التصدي لـ” الكيان الصهيوني ” ، و هذا يوضح العلاقة الجذرية بين أمن قطر عربي و أمن بقية الاقطار العربية ، و لعل التاريخ العربي يزخر بمواقف الدول العربية مجتمعة ضد ” الكيان الصهيوني ” ، كما أن الشعور النفسي يتجاوز بدوره الحدود القطرية ، و العامل النفسي هو عامل رئيسي في التغيير السياسي ، و هو من أكثر العوامل عبوراً للحدود ، و العامل النفسي يعدّ محور أساسي للوحدة العربية ، مصدره عاملين ، هما :
- مدى انعكاس الوضع السياسي العربي غير الملائم لعملية الوحدة ، بكل ما تشملها من تنافر و احباط و فشل في الخطوات السياسية احيانا التي يتم اتخاذها ، و ذلك نتيجة مدى تأثير العوامل الخارجية على الوضع السياسي العربي ، و رغم هذا يتم الاعلان عن النية ضرورة اتخاذها .
- العقبات و المشاكل التي تواجه الخطوات غير المباشرة ذاتها ، أن العمل العربي المشترك في المجالات غير المباشرة تعرض لحالات الفشل أو العقبات ، و كانت نسبة التنفيذ في بعض الحالات قليلة ، بحيث لا تتناسب مع الحد الأدنى للمعقول ، و في حالات آخرى اعترضت تلك الخطوات أو المشاريع أوضاع سلبية ، نذكر منها هبوط الكفاءة ، الفساد الأدراي ، الأخطاء الفنية الكبيرة ، الارتداد الرسمي العلني و الضمني ، من مجموع تلك العوامل السلبية تشكل وضع نفسي هابط نسبياً اتجاه ذلك النشاط ، انعكس بحالات متعددة كنقص الثقة أو فتور الحماس أو التردد ، و من ثم يستوجب إيجاد الحلول المناسبة لوضع النفسي غير الملائم .
أن الوضع العربي من الناحية السياسية و الاقتصادية و الثقافية و الاجتماعية ، هو كأي وضع آخر ، يستوجب أن يستغرق مدة من الزمن بهدف تحقيق التوازن ، بحيث تتقابل العديد من العوامل المتبانية سياسياً و اقتصادياً و عسكرياً على المستويين الداخلي و الخارجي من الناحية المادية و المعنوية ، و من هنا لا يمكن القول بصورة ” عقلانية ” أن الوضع العربي الموجود من الناحية السياسية و الاقتصادية و الثقافية و الاجتماعية هو الذي سوف يكون موجوداً بعد عقود من السنين أو بعد فترة من الزمن
، أى أن الوضع العربي يحمل في طياته ما هو غير منتظر اعتيادياً ، و قابل للمفاجأت بمعنى أن التوازن الظاهري في الوضع العربي لا توجد مبررات تدعو إلى استمراريتها من كافة النواحي بهذا الوضع ، بعبارة ادق ، أن عملية انتقال الوطن العربي من حالة التجزئة إلى حالة التوحيد ، يمكن أن تتم من خلال عوامل مباشرة ، و هي تكوين ” إرادة السلطة السياسية العربية ” ، و الإرادة السياسية هي ( التي توجد هذه القرارات بإمكانها ايضاً أن تحميها و تدميها ايضاً ، أن الإرادة الحرة هي التي تخلق القرار المتعلق باتخاذ الخطوة ، و الأعراب عن تلك الإرادة يتمثل عادة بالاعلان و بالموافقة و بالتوقيع على الوثائق القانونية و التنظيمية الضرورية لاخراج تلك الخطوات لحيز الوجود ) ([9]) ، و من ثم فإن عملية بدء التوحيد بين قطريين أو أكثر ، و لكن العملية المباشرة يمكن أن يمهد لها بصورة غير مباشرة ، بحيث يساعدها على الفعالية عندما تحصل ، و تحت باب العوامل غير المباشرة تقع كافة خطوات التقارب و التعاون و التوحيد في المجالات الاقتصادية و الثقافية و الاجتماعية ، التي يمكن أن تقوم بين الدول العربية من خلال العمل العربي المشترك ، الذي تقوم به مؤسسات و منظمات و اتحادات ” الجامعة العربية ” ، و الخطوات الثنائية بين قطرين عربيين من هذا النوع ، و لعل أفضل مثال على ذلك المقررات الاقتصادية عن مؤتمر القمة العربي المنعقد في مدينة عمان سنة 1980 م ، و هذا يوضح ( أن الوضع في مجال العمل المباشر لتحقيق الوحدة العربية سلبي الآن ، و لكنه ليس كذلك نسبياً في مجال الوسائل غير المباشرة ) ([10]) ، و يستوجب التأكيد على ” التحييد العمل العربي المشترك غير السياسي عن تقلبات العوامل السياسية ” ، و النصوص التي تؤكد على التحييد العمل الاقتصادي العربي المشترك التي تضمنتها الوثائق الاقتصادية ، و التي قامت باقرارها مؤتمر القمة العربي لسنة 1980 م في مدينة عمان ، و من هنا لا يعنى أن نظاماً أو مجموعة أنظمة عربية ، سوف لن تخرق ذلك التعهد أو سوف لن تحاول القيام مستقبلاً ، و يستوجب التأكيد على الاتجاه الصحيح و المنهج السليم ، مهما كانت سلبياتها و صعوباتها التي قد يتعرض لها في مجال التطبيق مستقبلاً .
خلال النصف الاول من عقد التسعينات من القرن العشرين أكدت التصريحات الرسمية العربية و أحاديث المجالس على دعوات ” لمّ الشامل ” و ” التضامن ” و ” التقدم المنهجي ” و ” تطوير جامعة الدول العربية و تفعيلها ” و ” إقامة السوق العربية المشتركة ” ، و ذلك من خلال إقامة شكل معاصر من التوحد العربي ، و لكن يقول الدكتور عوني فرسخ بإنه ( يكثر بين صناع القرار و أهل الفكر العرب من يعلنون بأن مثل هذه الدعوات مجرد أمنيات غير واقعية و لا يخفون قناعتهم بأن الدولة و المصالح القطرية باتت حجر الزاوية في حراك العرب ، نخباً و جماهير ) ([11]) .
و السؤال الاساسي الذي يطرح ، هل أن الوطن العربي يتسم بالوحدة التاريخية و السياسية ، بحيث يمكن إقامة الدولة العربية الواحدة عن طريق تحقيق التكامل السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و الاقتصادي و الأمني على مستوى الدولة العربية الواحدة اولاً ثم على مستوى التجمع الاقليمي العربي ثانياً ثم على مستوى المنطقة العربية ؟ .
ثانياً : الوحدة لاقتصادية :
تولت النداءات الوحدوية من قبل الحكومات العربية خلال عقدي الأربعينات و الخمسينات من القرن العشرين ، من أجل تحقيق مجموعة من الأهداف و الطموحات الاقتصادية بهدف تحقيق الوحدة الاقتصادية بين الدول العربية ، و في ذات الوقت كانت السلطة السياسية في الدول العربية المستقلة و شبه المستقلة مختلطة من طبقتي هما الاقطاع و البرجوازية التجارية اللذان كانا يهدفان إلى النمو ، كما أن التركيز الاساسي كان على الهجمة الامبريالية على الوطن العربي نظراً لان تلك الهجمة ادت إلى احتلال فلسطين و الأحلاف الاستعمارية المتعددة ، و هذا ادى إلى طغيان و هيمنة الطابع السياسي على الدعوات إلى الوحدة العربية من قبل الحكومات أو الاحزاب أو الشعوب العربية .
مع نهاية عقد الخمسينات من القرن العشرين قامت وحدة بين مصر و سوريا سنة 1958 م ، و هي وحدة سياسية بالدرجة الأول ، ثم وحدة عسكرية بالدرجة الثانية ، ثم وحدة اقتصادية بالدرجة الثالثة ، و لكن نتيجة الضغوطات الامبريالية و الاستعمارية ادت إلى فشل وحدة سوريا و مصر على المستوى الفكري ، و على أثر ذلك برزت العديد من التيارات السياسية التي تؤكد بدورها على ضرورة الاندماج الاقتصادي من أجل تحقيق الاندماج السياسي ، و تؤكد التيارات السياسية على شعار ” الوحدة العربية المدروسة ” ، وذلك بدلاً من الوحدة المثالية أو العاطفية أو الفورية ، و قاد السياسيون ” الزحف الوحدوي ” لشعوب العربية خلال عقد الخمسينات ، علماً بأنهم لم يكن لهم وجود خلال عقد الستينات من أجل يتقدم موكب ” الدعوة الوحدوية الاقتصادية ” ، و توقف موكب الدعوة الوحدوية خلال عقد الستينات من القرن المنصرم عن التقدم ، حيث ارتكز البحث حول إيجاد حلول لمشكلات الاقتصادية ، نذكر أهمها ، الاعتماد على الذات ، الاعتماد الجماعي على الذات ، التنمية المستقلة ، التحرر الاقتصادي كمضمون للتحرر السياسي القومي ، و كقاعدة للتحرر الاجتماعي ، اشباع الحاجات الأساسية للمواطن العربي ، و هذا يؤدي إلى القول : ( أن الفكر الاقتصادي العربي يعاني من أزمة و أن أزمة الفكر الاقتصادي العربي جزء لا يتجزأ من اشكالية الفكر السياسي الوحدوي بصفة عامة ) ([12]) ، و في ذات الوقت كانت مساهمة
الاقتصاديين العملية في الوحدة العربية ، تعدّ غير ذات فعالية ، و ذلك بعكس مساهمتهم الفكرية التي كانت أكثر تطوراً بصورة نسيبة ، عندما كانوا العديد من السياسيون يؤكدون على الوحدة الذين في مواقع السلطة ، و بيدهم القرار ، اضافة أكد الاقتصاديون على مدى أهمية الوحدة العربية و كانوا خارج سلطة اتخاذ القرار ، مما ادى إلى عدم قيام ” الوحدة العربية ” .
تطور الفكر الاقتصادي العربي على المستوى الكمي و النوعي بصورة ملموسة منذ منتصف عقد الثمانينات إلى نهايات القرن العشرين ، و لكن مازال يعاني من التحديات و المشاكل على المستويين الداخلي و الخارجي ، و الجدير بالقول ، أن العديد من المفكرين الاقتصاديين في العالم العربي تتلمذوا على يد مجموعة من الأساتذة الغربيين ، مما ادى إلى انعكاسها سلباً على المجتمعات العربية ، علماً أن جزء منهم قد عملوا في الحكومات و المنظمات العربية و الدولية و الشركات و غير ذلك ، و لكن رغم انتهاج بعض المفكرين السياسيين و الاقتصاديين على مستوى المنطقة العربية تطوير مناهجهم التحليلية الانتقادية للواقع الاقتصادي و الاجتماعي على المستويين القطري و القومي يطرحون البدائل الايجابية للواقع العربي من أجل إقامة الوحدة السياسية و الاقتصادية .
و قد ارتكز التطور النوعي الذي عرفه الفكر الاقتصادي العربي خلال عقدي الثمانينات و التسعينات من القرن العشرين على عاملين رئيسيين متكاملين :
- المضمون الاجتماعي التحرري للتنمية العربية .
- البعد القومي التحرري للتنمية العربية .
أن الدعوات السياسية فشلت في تحقيق الوحدة العربية خلال عقدي الخمسينات و الستينات من القرن العشرين نظراً لأنها كان يستوجب تحمل المسؤولية السياسية و الاقتصادية و الثقافية و الاجتماعية ، كذلك يسرى الامر على الدعوات الاقتصادية و المساعى الاقتصادية التي فشلت في الحد من سلسلة الانهيارات أو الاهتزازات التي مازالت مستمرة من خلال الوحدة العربية إلى يومنا هذا ، السؤال كيف يمكن تحقيق التكامل العربي سعياً إلى إقامة الوحدة العربية ؟
أن مبررات عدم إمكانية إقامة الوحدة العربية خلال العقود الماضية ، و خصوصاً في ظل الثروة النفطية لبعض الدول العربية التي جعلت الدول العربية النفطية تشعر بأنها ليست في حاجة إلى إقامة التعاون مع الدول العربية سواء أكانت دول نفطية أو غير نفطية ادت إلى حدوث أزمة اقتصادية ، و أصبحت اقتصاديات الدول العربية النفطية غير قادرة على العمل نظراً لانخفاض اسعار النفط نتيجة الازمة ، و من هنا ندرك إن التطور النوعي في الفكر الاقتصادي العربي و الفكر العربي المعاصر على حد السواء ، لازال بعيداً عن المرحلة التنبؤية نظراً لاهتمامات بعيد عما يجب أن يكون ، أن الأزمة الاقتصادية العربية المعاصرة ، قد تؤدي إلى احد الاتجاهين :
- الاتجاه الاول : نحو تحقيق الوحدة العربية التي تؤدي بدروها إلى مزيد من التمسك و التوحد و ازدياد درجة الفعالية على المستويين القومي و القطري .
- الاتجاه الثاني : يؤدي نحو مزيد من التناقضات و التمزق على المستويين القومي و القطري .
و بناء على ما سبق ، نستشهد بآراء أهم المفكرين العرب الذين تناولوا الفكر العربي الوحدوي الاقتصادي ، نذكر ” الدكتور عبد الرحمن البزاز ” الذي تناول في كتابه ” هذه قوميتنا ” بالدراسة و البحث مدى تأثير العوامل المختلفة في تكوين نشأة القومية ، و تكمن من الوصول إلى نتيجة مفاداها ( أن اللغة هي المميز للانسان عن باقي الحيوانات من جهة ، و هي في الوقت ذاته المميز الاول الذي يميز الجماعات الانسانية عن بعضها البعض . و معنى هذا أن اللغة هي المقوم الاول لكل قومية من القوميات ) ([13]) ، ثم يؤكد على أن التاريخ المشترك ، هو عنصر رئيسي من عناصر القومية ، و يضيف بإن هناك عوامل آخرى لهذين العالمين مثل ” الوحدة الثقافية للأمة ” ، و لكن يربطها بصورة ما بعاملي وحدة اللغة و التاريخ المشترك ، أما العوامل الاقتصادية نجده يستبعد أن تكون لها دور في تكوين القوميات و نشوئها ، و يقول في هذا ( أن القومية ، أي القومية ، يمكنها أن تقوم بين أي جماعة من البشر تعي وجودها القومي ، و تشترك بلغتها القومية ، و بالقيم الروحية التي يحدثها التاريخ المشترك ، دونما حاجة إلى وحدة اقتصادية مادية تربط بين افراد الجماعة برباطها ) ([14]) ، كذلك هناك مجموعة من المؤلفين المصريين اتخذوا ذات الموقف ، نذكر منهم ” الدكتور أبوزيد فهمي ” ، حيث قال ( إذا كانت المصالح المعنوية ذات شأن في تكوين الأمة و تقوية عناصر الترابط فيها فتتبلور في سمائها بوصفها امان مشتركة ، فإن المصالح المادية لا تعدّ كذلك ) ([15]) ، و يقصد بالعوامل المادية بإنها العوامل الاقتصادية ، و مدى تأثيرها على القوميات بصفة عامة ، و بالمقابل هنالك مجموعة من الكتاب و المفكرين ، رفضوا أن يكون للعوامل الاقتصادية تأثير على تكوين القوميات ، بينما فضل البعض الآخر السكوت عن ذكره ، أى دور أو تأثير للعوامل الاقتصادية على تكوين القومية بصفة عامة ، أو القومية بصفة خاصة ، و يمكن تفسير السكوت عن مدى تأثير العوامل الاقتصادية ، بإن هؤلاء المولفؤن يقومون بدراسة حول المقومات القومية أو مقومات القومية العربية ، مما يدّلل على امر واحد ، هو أن هؤلاء المفكرين لا يرون للعوامل الاقتصادية اى مكان من بين تلك العناصر التي ترتكز عليها القومية ، و من أهم المناصرين لهم ، مجموعة من الكتاب نذكر منهم ” الاستاذ محمد عزة روزة ” ، عندما تحدث في كتابه عن الوحدة العربية الذي نشر سنة 1957 م ، حيث ركز على دراسة عوامل القومية العربية و مقوماتها ، و لم يشير إلى مدى تأثير العوامل الاقتصادية من بين تلك المقومات ، و كذلك ” الدكتور محمد لبيب شقير ” ، يقول بإن التيار الفكر القومي العربي الذي ساد منذ منتصف عقد الخمسينات من القرن العشرين ، و مازالت اثارها إلى يومنا هذا ،
ينكر أى دور أو تأثير بصورة اساسية للعوامل الاقتصادية باعتبارها من العناصر و المقومات و الركائز التي تقوم عليها القوميات بصفة عامة و القومية العربية بصفة خاصة ، و هذا يفسر لنا ان الفكر القومي العربي خلال تلك المرحلة ، لم يشتمل أو يوضح الكيفية التي يمكن أن يتم مواجهة مشكلات التجزئة الاقتصادية الناشئة عن التجزئة الوطن العربي بين اقطار و اجزاء متعددة أو كيفية التغلب على مشكلات الاندماج أو التوحيد الاقتصادي بين الاقطار العربية ، و يستدل ” الدكتور محمد لبيب شقير ” بآراء الفيلسوف ” ساطع الحصري ” نظراً لان ارآئه لم تتضمن اشارة واضحة إلى كيفية التصدي لمشكلات الاندماج أو التوحيد الاقتصادي العربي ، و بناء على ذلك يقول ” الدكتور محمد شقير ” بإن الكتاب و المفكرين و الفلاسفة خلال تلك المرحلة ، كان يستوجب عليهم أن يقوموا بتقديم تحليل و دراسات لمشكلات الاندماج الاقتصادي العربي ، و كيفية إيجاد الحلول المناسبة لتلك المشكلات ، إذا تحقق للإرادة العمل الوحدوي العربي أهدافه و طموحاته و آماله ، و يمكن تسليط الضوء على بعض آراء الفيلسوف ساطع الحصري ، يناقش مجموعة من الكتاب و المفكرين ، حول زعمها أن المصالح الاقتصادية المحرك الرئيسي في الحياة الاجتماعية و السياسية ، و يقول هؤلاء أن ( لا أمة دون حياة اقتصادية مشتركة ) ([16]) .
و يجيب ” الحصري ” بأن العوامل الاقتصادية تؤثر في الاحداث التاريخية و تشكل المحور الرئيسي في حياة الافراد و الجماعات ، و لكن لا يمكن اعتبار المصالح الاقتصادية الحجر الاساسى لتشكيل و بناء الوحدة ، و الحجر الاساسى في القومية .
حيث أن الاحداث السياسية و الاجتماعية المتتالية تؤكد على أن المصالح الاقتصادية إذا ادت إلى تكوين رابطة اقتصادية لمجموعة من الناس ، تؤدي إلى ” مدار خلاف ” و ” عامل التفرقة ” ، من هنا نصل إلى أن المصالح الاقتصادية في دولة من الدول تؤدي إلى تكوين رابطة تجمع بين مجموعة من الناس ، أو تشكل ” عامل التفرقة ” أو ” مدار خلاف ” بين مجموعة من الناس .
أن مفهوم المصلحة بصفة عامة و مفهوم المصلحة الاقتصادية بصفة خاصة ، تعدَ من ” الأمور النسبية ” و ليست من ” الأمور الثابتة ” نظراً لاختلاف الناس بشكل كبير و تغير الظروف و الأزمان و تطور الحياة السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية ، اضافة إلى هناك بعض الشرائح من الناس لا تفكر سواء في ” المصالح العاجلة ” ، و البعض الآخر من الناس لا يفكر سواء في ” المصالح الآجلة ” فيصف ” ساطع الحصري ” بإن تلك الجماعات الانسانية تسعى إلى الحصول على منافع اقتصادية عظيمة ، أما المصالح العاجلة يصفها ” الحصري ” بإنه سعى الجماعات الانسانية إلى الحصول على منافع الاقتصادية خلال مدة وجيزة .
و بناء على ما سبق ، فإن المصالح الاقتصادية تختلف من بلد إلى بلد ، و من منطقة إلى منطقة ، و ذلك تبعاً لنوعية الخصائص الاقتصادية ، فالدولة الصناعية تختلف عن الدولة الزراعية ، و يسري الامر على المناطق فالمنطقة الزراعية تختلف عن المنطقة التجارية ، و من ثم فإن مصالح الجماعات الانسانية التي تقطن تلك البلدان أو المناطق ، يتحدد حسب نوعية الاقتصاد السائد فيها ، و يقول ( إن المصالح الاقتصادية من أقل الأمور التصاقاً بالقوميات ، و أشدها خضوعاً لسلطان الحكومات ) ([17]) .
أن العامل الاقتصادي هو أحد العوامل الاساسية لبناء الدولة ، و لا يعدّ سمة من سمات القومية بصفة عامة أو القومية العربية بصفة خاصة ، و يقول ، أن وحدة اللغة و وحدة التاريخ هي الاساس في بناء القومية و تكوين الأمم ، أما الدين و الدولة و الحياة الاقتصادية تعدّ كل منهما من مقومات الأمة الاساسية ، فاللغة تعدّ روح الأمة و حياتها السياسية و الاقتصادية و الثقافية و الاجتماعية ، أما التاريخ حصيلة الاحداث و الوقائع التاريخية للأمة ، و في هذا يقول أن ( اللغة هي روح الأمة و حياتها ، أنها بمثابة محور القومية و عمودها الفقري ، و هي من أهم مقوماتها و مشخصاتها ، أما التاريخ فهو بمثابة شعور الامة و ذاكرتها ، فأن كل أمة من الأمم انما تشعر بذاتها و تكون شخصيتها بواسطة تاريخها الخاص ) ([18]) .
و الجدير بالذكر ، أن ذات الافكار و المواقف من العوامل الاقتصادية عند ” الدكتور عبد الرحمن البزاز ” ، الذي قام بنشر آراه و نظرياته عن القومية مع اواخر عقد الخمسينات من القرن العشرين ، إلا أنه يعدّ ممثلا صادقاً و أمينا للتيار الفكري الذي ساد خلال تلك المرحلة .
أن أفضل المناهج من أجل دراسة الفكر الوحدوي العربي الاقتصادي ، هو المنهج الذي يشمل المنهج التاريخي و المنهج التحليلي ، و يتميز الفكر القومي العربي الاقتصادي ، بخاصتين أساسيتين هما :
الخاصية الاولى : يرفض أن يكون للعوامل أو المصالح و الأهداف الاقتصادية أي أهمية أو دور بين مقومات أو أسس القومية بصفة عامة .
الخاصية الثانية : لا يتم منح أي تحليل أو تصور عن الكيفية التي يمكن التصدي أو إيجاد الحلول المناسبة بالنسبة للعمل الوحدوي العربي لمشكلات التجزئة الاقتصادية ، و مشكلات الاندماج أو التوحيد الاقتصادي بين الدول العربية .
و من ثم يتبين ، أن الخاصتان السابقتان تحددان موقف الفكر القومي العربي من العوامل الاقتصادية في هذه المرحلة ، و يستوجب دراسة الأسباب التي ادت بصورة كبيرة إلى ذلك ، و هي :
- أن معظم الكتاب الذين قاموا بصياغة الفكر القومي خلال تلك المرحلة تأثروا تأثيراً واضح بفكر ” الحركة الرومانسية الألمانية عن نظرية القومية ” ، الذي تتمحور حول مدى أهمية اللغة في تكوين القوميات و نشأتها ، و ترسيخ الوعي القومي ، و هذا ادى إلى التركيز على عامل اللغة ، و عدم التركيز على العوامل الآخرى التي تعدّ رئيسية و من بينها العوامل الاقتصادية .
- أن التركيز على اللغة المشتركة و التاريخ المشترك للعرب موقفاً يتناسب مع اهتمامات الحركة القومية العربية مع بداية القرن العشرين ، و ذلك في نضالها ضد الارتباط بالدولة العثمانية .
- سيطرت الخلافة العثمانية على معظم اجزاء المنطقة العربية من كافة النواحي السياسية و الاقتصادية و الثقافية و الاجتماعية و العسكرية ، و قام الحكم العثماني بمباشرة عملية الاستغلال الاقتصادي في العديد من اجزاء الوطن العربي ، و قد جمع الاستغلال بين خصائص الاستغلال الاقطاعي القديم ، و بين بعض خصائص الاستغلال الرأسمالي ، و هذا يوضح كفاح الامة العربية ضد الاستغلال الاقتصادي العثماني ، الذي ادى إلى ترسيخ الوعي القومي ، و بعث حركة التحرر العربية ، اضافة إلى عامل الاشتراك في اللغة و التاريخ اللذان يعدّان من بين العوامل الرئيسية التي ادت إلى ترسيخ الوعي القومي العربي ، و زيادة الشعور بالقومية العربية في مواجهة السيطرة العثمانية ، علما أن الفكر القومي العربي عجز عن ادراك مدى تأثير العوامل الاقتصادية في ترسيخ الوعي القومي العربي ، و لعل هذا يبين لنا أهمال مدى تأثير العوامل الاقتصادية ضمن مقومات الحركات القومية بصفة عامة ، و مقومات الحركة القومية العربية بصفة خاصة ، و قد استمر الاهمال إلى منتصف عقد الخمسينات من القرن العشرين .
- تمحورت رؤية الفكر القومي العربي للحركة القومية العربية باعتبارها حركة سياسية رغم عدم اعترف العديد من الكتاب العرب بذلك ، حيث يقومون بالتركيز على الجوانب السياسية من الناحية التاريخية و المعاصرة لكتاباتهم و يمنحون اهتمام بالدراسة و التحليل من أجل إيجاد الحلول المناسبة لمشكلات الأساسية بهدف تحقيق الوحدة السياسية بين الاقطار العربية ، و في المقابل يتم اهمال
الجوانب الاقتصادية بشكل تام ، و دراسة المشكلات الاقتصادية ، و كيفية إيجاد
الحلول المناسبة لها عندما تسعى الاقطار العربية إلى تحقيق الوحدة الاقتصادية
، و من هنا لا يمكن القبول بآراء هؤلاء الكتاب العرب ، نظراً لان الحركة القومية
العربية تشمل جوانب متعددة منها السياسية و الاقتصادية و الثقافية و الاجتماعية
، أي أن (السياسة ترتكز لدرجة كبيرة على الاقتصاد ، و أن الجانب الاقتصادي
في حياة كل قطر يشكل عاملاً من العوامل الاساسية التي تؤثر في سياسة
هذا القطر ) ([19]) .
- أن الفيلسوف ” ساطع الحصري ” و غيرهم من المفكرين و الفلاسفة خلال تلك المرحلة رفضوا أن يكون للعوامل الاقتصادية أى دور ضمن مقومات القومية و عوامل ظهور الحركات القومية العربية ، و نذكر ما قاله ” الدكتور عبد الرحمن البزاز ” و هو من اتباع ” الحصري ” حول منحه اهتمام العوامل الاقتصادية بعض الدور في تدعيم القومية و ليس في تكوينها و استمراريتها , حيث قال ( ليس في استبعادنا للحياة الاقتصادية من مقومات القيمة الاساسية ما يدعونا إلى الاعتقاد أو التسليم بعدم أهمية الشئون الاقتصادية في حياة الأمم ، أن العوامل الاقتصادية مهمة دون ادنى ريب ، و لكن اهميتها تتركز في تقوية دعائم القومية و تأكيد فعاليتها ، لا في خلقها و ايجادها ، و بعبارة آخرى تلعب المسائل الاقتصادية دوراً مهما جداً في حياة الامم ، في تقوية الامة ، و تثبيت دعائم بنيانها و لكنها لا تخلقها ) ([20]) .
- أن من الاسباب التي جعلت الفكر القومي العربي خلال تلك المرحلة يهمل الاهتمام بمشكلات الاندماج الاقتصادي العربي ، هو أنه كان التركيز في تلك المرحلة على عملية اثبات وجود القومية العربية ، و كيفية ارتكازها على أسس راسخة مماثلة لسائر القوميات ، و من ثم ارتكز الفكر القومي العربي على كيفية اثبات حقيقة وجود القومية العربية ، و لم يكثرت بدراسة مدى تأثير المشكلات التي قد تنشأ عن عمليات الوحدة الاقتصادي ، علما بإنه لم يكن مطروحاً دراسة هذه المشكلات .
السؤال الذي يطرح نفسها ، ما هي الاثار المترتبة على هذا الموقف الذي طبع الفكر القومي الوحدوي العربي خلال تلك المرحلة ؟ ، يمكن الاجابة على هذا السؤال في مجموعة من النقاط ، و هي :
- نتيجة اهمال الفكر القومي العربي الوحدوي خلال المرحلة الاولى للعوامل الاقتصادية ادى بالعمل الوحدوي العربي الاعلان عن ” جامعة الدول العربية ” إلى عدم إيجاد صورة فكرية لكيفية و النهج الذي يمكن اتباعها من اجل تحقيق التعاون أو الاندماج أو التوحيد في الميادين الاقتصادية .
- أن الاسباب التي ادت إلى التأخير في بدء تنفيذ سبل التعاون و الاندماج الاقتصادي العربي ، هو البحث و دراسة تجارب التعاون و مراحل تكوين التكتلات الاقتصادية الاقليمية الدولية من اجل السير على نفس خطواتها .
- أن الجهود و التطورات التي قدمها الفكر الاقتصادي العربي الوحدوي لم
تكن ملائمة و مناسبة لكيفية التي يمكن مواجهة العقبات و المشاكل و التحديات التي يواجهها التعاون الاقتصادي العربي ، اضافة لم تقدم الاساليب و الوسائل المناسبة لتحقيق الاندماج الاقتصادي العربي ، و كيفية التصدي لمجموعة العوامل الداخلية و الخارجية التي قد تواجهها أى دولة عربية في المنطقة العربية .
يركز الفكر الوحدوي العربي على المشاكل الاقتصادي من خلال ثلاثة محاور اساسية ، و هي :
- التخلف .
- التبعية .
- التجزئة .
تكمن الاشكالية في أن الفكر الوحدوي العربي يتعامل مع تلك المحاور باعتبارها متشابهة في مستوياتها ، علماً أن هناك اختلاف نوعي و جذري بينها ، و خصوصاً بين التخلف و التبعية من جهة ، و بين التجزئة من جهة ثانية ، مما ادى إلى عدم إدراك ذلك الفرق النوعي و الجذري ، و إلى عدم المعرفة و الوضوح في خصوصية الرؤية ، و عدم القدرة على وضع الحلول المناسبة بالشكل المطلوب ، فالتخلف هو ( وضع قد يكون مطلقاً و نسبياً في آن واحد ، فالتخلف المطلق هو حالة محكوماً بالتقدم و الانتقال إليه مرهونا بالقدرة عليه ) ([21]) ، و من ثم فإن مؤشرات التقدم الموضوعية القياسية واضحة على المستوى الاقتصادي ، و تشمل بصورة أساسية حجم الانتاج و معدلات نموه و المداخيل الفردية و معدل نموه ، و الارتفاع في مستويات المعيشة ، أما التخلف النسبي فهو حالة مقارنة قائمة في كل اقتصاد إلا في حالة إذا كان الاقتصاد هو المعيار الذي يصبح إليه قياساً مقارناً لمدى التقدم ، و سبقه بين الاقتصاديات الأخرى في كافة الأحوال و المراحل ، و هذه الحالة قد يصعب وجودها من الناحية العملية ، نظراً لأنها تكون محكومة بالمرحلية و يتناوب المواقع بين مختلف الاقتصاديات ، أما مفهوم التبعية هو ( مفهوم شمولي يحمل في طياته اعتبارات من عدم المرونة في التصرف في بعدين ذاتي و موضوعي ) ([22]) ، و يرتبط بالتخلف من عدة جوانب ، و هي على التوالي :
- أن مفهوم التبعية و التخلف قد يكون مرحلياً أو مستمر ، و ذلك استناداً إلى القدرة على كيفية التخلص منهما .
- أن مفهوم التبعية و التخلف إرادي من حيث خضوعهما إلى السياسة العامة و السياسة الاقتصادية ، نظراً لان مدى حيوية السياسات و فاعليتها تقرران درجة التبعية و التخلف في كل دولة عربية و المنطقة العربية و حدتهما .
- أن التخلف يؤدي إلى التبعية و في المقابل التبعية لا ترتبط بالتخلف .
أن تحقيق التكامل الاقتصادي يستلزم تجميع كافة مقومات التنمية العربية من الناحية البشرية و المالية من أجل تفادي سلبيات التخلف و التبعية ، أي بمعنى ادق ، أن الاتجاه نحو التكامل الاقتصادي ( استهدف تجميع مقومات تنميتها المشتركة من مادية و مالية
و بشرية في محاولة لتطويق كل من سلبيات التخلف و التبعية ) ([23])، و ذلك بهدف تحقيق التكامل .
و في هذا الصدد نذكر مجموعة من القواسم المشتركة بين الاقتصاديات المختلفة من أجل تحقيق التكامل الاقتصادي ، و هي أن التكامل :
- يعدّ وسيلة من أجل تحقيق هدف ، و ليس هدفاً قائما بحد ذاته .
- يرسخ و يجسد القومية العربية .
- يمثل عملية تراكمية كمية ، و ليس تحولاً نوعياً .
- هو جمع بين المصالح السياسية و الاقتصادية و الثقافية و الاجتماعية ، و ليس تأكيداً للذات .
- يعدّ تحقيق التكامل مطلب اساسي ، و يستوجب أن يوصف بالاستمرارية من خلال مجموعة من المراحل من أجل تحقيق التكامل على المستوى السياسي و الاقتصادي و الثقافي و الاجتماعي .
أن تحقيق الوحدة الاقتصادية للوطن العربي تعدّ حالة متميزة نظراً لأنها تمثل وسيلة و غاية في حد ذاتها ، فهي وسيلة لأنها تمثل التجسيد المادي من أجل الوصول إلى التكافؤ و الانسجام بين الوجود و جوهره ” القومية العربية ” ، و تتمحور الوسيلة حول تحقيق التنمية الشاملة التي تعدّ هدف مشتركة للتكتلات الاقتصادية الاقليمية للدول النامية كالاتحاد الافريقي ، من هنا يتبين أن تحقيق الوحدة الاقتصادية العربية يعدّ هدف نظراً لأنها يشكل الشرط الموضوعي لاستمرارية تجسيد و ترسيخ القومية العربية ، و هذا يميز التكتل الاقتصادي العربي على غيره من التكتلات الاقتصادية الاقليمية الدولية من خلال :
- الاتجاه نحو تجسيد و ترسيخ القومية العربية .
- تعدّ حالة استمرارية و ليست مرحلية مصلحية .
- الجمع من اجل تحقيق الذات في اطار التأكيد على التكافؤ و الانسجام و التوافق بين الوجود و الجوهر .
- أن الوحدة الاقتصادية العربية هي حالة التحول من الكم إلى الكيف و ليس عملية تراكمية كمية فقط .
يؤكد الفكر الوحدوي العربي على التحييد نظراً لضعف تأثيراً الإرادة السياسية العربية على المستوى السياسي و الاقتصادي و الثقافي و الاجتماعي ، و كيفية ابعاد العالم السياسي قدر الإمكان ، و رغم ذلك فإن العمل العربي القومي الاقتصادي المشترك ، و الفكر الوحدوي العربي ازداد ارتباطاً بشكل فعلياً بحركة العامل السياسي ، مما يدّلل على التناقض ، و أن مصدر التناقض ، أن كل قرار وحدوي عربي اقتصادي ، يعدّ قرار ايديولوجي على مستوى الفكر و سياسي على مستوى الممارسة ، و يمكن التأكيد على ذلك من خلال مجموعة من الخصائص ، و هي على التوالي :
- أن تحقيق الوحدة العربية الاقتصادية يؤكد على ضرورة تجاوز الكيانات السياسية من أجل تحقيق وحدة الكيان العربي .
- التأكيد على المعيار التراثي التاريخي العربي و الإرادة السياسية العربية من أجل تحقيق الوحدة العربية نظراً لان القطرية نشأت من خلال قرار سياسي خارجي .
- التمسك بعامل السيادة العربية الواحدة من أجل تحقيق الانسجام الطبيعي و التناسق بين الجوهر و وجوده .
- الـحرص على ضرورة القيام بالتخطيط الاستراتيجي و التخطيط المركزي من أجل تحقيق العمل القومي العربي الاقتصادي المشترك .
- العمل على استمرارية التعاون الاقتصادي العربي بين الاقطار العربية من خلال تحقيق التوازن و التساوي قدر الإمكان حسب الامكانيات و أهداف كل قطر عربي من أجل تحقيق الوحدة الاقتصادي العربية .
مما سبق يتبين ، أن تحييد وحدوية على مستوى العمل القومي العربي الاقتصادي المشترك باعتباره ليس خطوة وحدوية رئيسية ، فالأساس في الفكر الوحدوي العربي القومي يتطلب وجود العامل السياسي بفاعلية ، أي ارتكز العمل الاقتصادي العربي المشترك على ” الشرعية و الفاعلية ” .
أهم السمات و الخصائص التي يستوجب أن تكون ملازمة للمسيرة الوحدوية العربية الاقتصادية ، فهي توفر :
- القناعة و العقلانية من حيث التوجه .
- العلم و الموضوعية من حيث الوسيلة .
- الحرية و الديمقراطية من حيث الممارسة .
أهم معوقات الوحدة الاقتصادية العربية نجدها تتمثل في مجموعة من النقاط ، و هي :
- تعدّ الاعتبارات السياسية أكثر حساسية في الفكر العربي الوحدوي من الاعتبارات الاقتصادية ، و تؤثر عدم توفر الإرادة السياسية العربية على العمل و العلاقات الاقتصادية العربية ، الأمر الذي يؤدي إلى العديد من المشاكل و الأزمات الاقتصادية في المنطقة العربية ، و من ثم تؤثر سلباً على المسيرة الوحدوية من الناحية السياسية و الاقتصادية و الثقافية و الاجتماعية .
- عدم الالتزام من قبل الدول العربية بتنفيذ كافة الاتفاقيات القانونية المبرمة من أجل تعزيز العمل الاقتصادي العربي المشترك و هذا بدوره جعل صفة حاكمة للعمل العربي الاقتصادي المشترك .
- مدى محدودية مرونة الهياكل التنظيمية و الأجهزة التنفيذية لمؤسسات العمل الاقتصادي القومي و ازدواجيتها ، و عدم القدرة على مواكبة التطورات التي طرأت على العلاقات العربية – العربية ، و البيئة الاقتصادية العربية ، و البيئة الاقتصادية في الدول المتقدمة و النامية ، إضافة إلى عدم القدرة على الاستيعاب من قبل العاملين في تلك الهياكل و الأجهزة لدورهم في العمل الاقتصادي العربي القومي .
- عدم القدرة على تحقيق التنمية العربية من خلال القيام بأحداث التغيير الجذري في هيكل الاقتصاد العربي نظراً لان مجهودات التنمية العربية انحصرت في أحداث التغييرات الكمية ، و ليس التغييرات النوعية في الاقتصاد العربي مما ادى إلى عدم التوازن في هيكل الاقتصاد العربي و تبعيته .
- عدم القيام برسم خطة استراتيجية عربية تنفيذية من أجل تحقيق التكامل العربي و التنمية العربية الشاملة ، و الاتجاه بالاقتصاد العربي إلى مساره الصحيح ، بحيث يمكن تحقيق الأهداف التي يسعى إلى تحقيقه ، و تحديد الاطار القانوني للعمل العربي الاقتصادي المشترك ، و كيفية الالتزام كافة العاملين في الاقتصاد العربي
- غياب و عدم معرفة المواطنين في المجتمعات العربية بالمسيرة التنموية الوحدوية الاقتصادية ، و عدم متابعتهم ، الأمر الذي انعكاس سلباً على المسيرة التنموية الوحدوية الاقتصادية العربية نظراً لعدم مشاركة و مساهمة المواطنين في المجتمعات العربية في تحقيق الأهداف و المصالح الأساسية في انجاح و تحقيق التقدم لمسيرة التنموية العربية .
- مدى ازدياد الشعور بالاحباط من قبل المجتمعات العربية على تحقيق الوحدة العربية رغم مساعي و جهود المثقفين و السياسيين و الاقتصاديين على تحقيق الوحدة و بث روح التأكيد على ضرورة تحقيق الوحدة العربية .
- عدم القدرة على تحقيق التوازن بين ما انجازه نظرياً في الفكر الوحدوي من الناحية السياسية و الاقتصادية و الثقافية و الاجتماعية ، و عملياً و مادياً في العمل العربي المشترك حيث ادى إلى عدم القدرة على خلق التشابك و الترابط بين الدول العربية ، و انشاء ” قوة ذاتية ” على المستوى السياسي و الاقتصادي و الثقافي و الاجتماعي من أجل تحقيق الوحدة العربية ، و هذا ادى إلى :
- القبول بالواقع العربي و عدم القدرة على تحقيق الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها المؤسسات و اشخاص العمل العربي القومي الاقتصادي
- عدم تحقيق التوازن بالشكل المناسب بين الفكر الوحدوي العربي و العقلانية العملية الموضوعية .
و لكن رغم كل المعوقات تم تحرير ” ميثاق العمل الاقتصادي القومي العربي ” بمدينة عمان بتاريخ 26/11/1980 م ، حيث تم اعتماد خطة قومية للتنمية الاقتصادية و الاجتماعية في الوطن العربي ، و اعتماد الخطط القطرية للتنمية التي تم العمل بها ، خلال عقدي الثمانينات و التسعينات من القرن العشرين ، باعتبارها كبديل عن التنسيق بين خطط التنمية القطرية ، حيث اعتبرت المشروعات العربية المشتركة اطار اداري للخطة القومية ، و جاء في الفقرة الخامسة من الباب الأول من ميثاق العمل الاقتصادي القومي ( اعتماد مبدأ التخطيط القومي للمشاريع العربية المشتركة كأسلوب لتوجيه و تنظيم و تطوير العمل العربي المشترك على النحو التالي :
- الالتزام باستراتيجية العمل العربي الاقتصادي المشترك و عقود التنمية العربية المشتركة و الخطط القومية المنبثقة عنها .
- الالتزام بأن تتضمن كل خطة قطرية بالاضافة الى عناصرها القطرية توجهاً قومياً يتمثل في تخصيص نسبة معينة من الموارد لتمويل مشروعات الخطة القومية . ) ([24]) .
و بناء على القرار السادس الصادر عن مؤتمر القمة العربي العاشر الذي انعقد في مدينة عمان ، مؤتمر القمة العربي الحادي عشر من 18 إلى 20 محرم 1401 هــ الموافق 25 – 27/11/1980 م ، تمت الموافقة على القرارات في المجال الاقتصادي ، و هي ( 1- المصادقة على ميثاق العمل الاقتصادي القومي و توقيعه من قبل أصحاب الجلالة و الفخامة و السمو و السيادة و إيداعه الأمانة العامة و الاتفاق على أن يصبح نافذا إبتداء من اليوم ( ق ق 143/د11/-27/11/1980 ) 2- المصادقة على استراتيجية العمل الاقتصادي العربي المشترك ( ق ق 144/د11/-27/11/1980 ) ) ([25]) ، و من ثم فأن استمرارية السير على تفعيل العمل الاقتصادي القومي العربي المشترك ، و الاعلان عن البرنامج التنفيذي لاتفاقية تيسير و تنمية التبادل التجاري بين الدول العربية لإقامة ” منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى تاريخ 19/2/1997 م ” .
ثالثاً : الوحدة الإنسانية و الثقافية و الاجتماعية :
رغم تقسيم الوطن العربي إلى اقطار عربية مجزأة إلا أن الثقافة العربية ظلت موحدة نظراً لوحدة اللغة التي هي لغة ” القرآن الكريم ” ، و وحدة الثقافة العربية ، و التاريخ المشترك ، و وحدة العادات و التقاليد ، و وحدة العرف العربي ، و وحدة الدين ؛ مع ضرورة احترام الأديان الموجودة في الوطن العربي ، أذن يستوجب المعرفة أن من السمات الأساسية للقومية العربية ، هي وحدة الثقافة و وحدة اللغة ، و هنا يقول ” الدكتور محمد عابد الجابري ” ( لم يكن سكان الوطن العربي ، في أية حقبة من تاريخهم أقرب إلى بعضهم على مستوى اللغة و الثقافة ، و بالتالي على مستوى الوعي القومي ، مما هم عليه اليوم ) ([26]) .
- الوحدة الانسانية :
أن صورة ” الإنسان ” المراد تحقيقها في ظل نظام قائم على العدل و الحرية و المساواة يدّلل على مدى الأهمية التي حظى بها الإنسان في ” فكر عبد الرحمن الكواكبي ” ، و كذلك صورة المجتمع الذي قام بوصفه فهو مجتمع مثالي يهدف إلى انشاؤه من خلال جدلية تطوير كل من الإنسان و الحكومة الجمعية في ذات الوقت ، و إذا تم البحث عن الهدف من بديل للاستبداد ، فأنه سوف ينحصر في تحقيق الحرية و العدالة و المساواة من أجل ارساء و تحقيق دعائم الأمن و الاستقرار ، و تحقيق التقدم و الرخاء و الازدهار بهدف تحقيق صالح الإنسان و دفع ألم ، و تحقيق السعادة و الخير ، و يتمثل الهدف في جعل الإنسان يعيش في أمن و استقرار و اطمئنان ، و في ظل التقدم التي تكون لصالح الإنسان باستمرار ، و من ثم يستوجب التأكيد على :
- مدى تأثير إقامة حكومة صالحة في مختلف ميادين الحياة .
- صورة المواطن و الحاكم في ظل الحكومة الصالحة .
- كيفية علاقة الانسان بالوطن و الدين و العالم .
أن يتميز المجتمع بالحرية و الأمن و توفر الطمأنينة ؛ و خلو المجتمع من العقد ، و يتمتع الإنسان في ظله بالرعاية و الاستقرار و الأمن ، و اتاحة المجال لإمكانية القيام بالنشاطات الجماعية المختلفة نظراً لحصوله على حقوقه كاملة ، و لا يمكن أن يتمتع الانسان بحقوقه كاملة ، إلا في ظل ” الحكومة العادلة المنتظمة ” دولة القانون و المؤسسات و التنمية نظراً لمنحه كل شئ حقه في كافة الميادين ، و افسح المجال لاشتراك المواطنون جميعاً في التوجيه و الارشاد .
أن ” العلم ” هو الوسيلة الوحيدة التي يتحرر الإنسان من الاستبداد ، و يكون الإنسان بذلك قادراً على الاحتفاظ بحريته و حقوقه التي من خلالها يتحرر من الخوف و الجهل و التخلف و الاوهام ، أن ” الحكومة العادلة الصالحة ” تتيح للشعب المجال من أجل زيادة معارفه و علومه ، مما يمكنه من معرفة و إدراك مفهوم الحرية و ابعادها ، و كيفية المشاركة في الحكم و الشؤون المشتركة و كيفية تحقيق الاستفادة الامثل من العلوم المتخلفة و تطبيقها ، و هذا يتيح المجال لبلادها تحقيق الاستفادة من اصحاب العلم و المعرفة و التسابق مع غيرها من الدول في شتئ المجالات العلمية و العملية ، و كيفية التصدي إلى خطر الاستبداد الخارجي ، و تنظيم كيفية ” تعلم العلوم النافعة ” من خلال جعلها مجانية لكافة الناس دون تحيز أو تمييز و الابتعاد في آن الوقت عن الجهلة المتعالمين ، و العمل على مقربة العلماء العاملين بهدف الاسترشاد بآرائهم و الاستماع إلى نصائحهم ، و تنفيذ ما قاموا بتحصيلها العلمي بمحض أرادتهم العقلانية و العلمية ، و و من ثم تحيا فكرة الحرية و الأمن و الاستقلال في الرأي ، و في الحكم ضد الأجنبي و تعزيز المساواة و الحرية و العدالة ، و يكون العلم و الديمقراطية كلاهما متعاونين من أجل بناء و تقدم الانسان ، و تحقيق أهدافه العلمية و العملية .
تؤكد ” الحكومة الصالحة ” على ضرورة إقامة الأخلاق الحميدة ، نظراً لمعرفتها و إدراكها ، بإن الأخلاق الحميدة هي صلاح العلاقات بين الناس ، حيث يزداد ارتباط الإنسان بوطنه ، و أن الحكومة الصالحة المنتظمة ( هي التي تقوم على إرساء قواعد الأخلاق ، و هي التي تشكل البيئة المناسبة لترعاعها ) ([27]) ، حيث يتم تعين هيئة تشرف على عملية التربية الاخلاقية و تطويرها و تنميتها ، و ” الحكومة ” تحافظ و تلتزم بذلك ، نظراً لأنها ملتزمة بقانون يحفظ ضمان الحقوق للجميع ، و يحافظ على كرامتهم و حرياتهم ، و من ثم يتمكن المواطن من رسم أهدافه في ظل الأمن و الاستقرار الفكري و النفسي و الجسمية التي تقوم الحكومة بتوفيرها ، و من هنا يتبين أن ” الحكومة الصالحة العادلة ” تعمل على تنمية الخصال و الصفات الحميدة و الطبيعية و الكمالية في الإنسان ، و من خلال اعتياد الأخلاق الحميدة يعتاد الناس على الافعال الحسنة و المحترمة ، و تتعزز سبل الثقة و المعاملة الجيدة بينهم ، و هكذا يعتادون على المحبة و التعاون و حسن الظن و الصدق و يزداد ترسيخ و تعميق الأيمان بالأخلاق الفاضلة و محاسنها ، و يتم بغض الأنانية عند كل انسان ، و يتم معرفة أن المال هو مجرد وسيلة من أجل دفع ألم ، و بأنه عبارة على قيمة الاعمال ، و هكذا يبتعد كافة الناس عن التراخي ، و يحرصون على تحصيل المال من خلال القيام باتباع طرق شريفة ، و القيام بانفاقه في المكان المناسب بدون اسراف ، و يقدم الناس بعضهم لبعض المساعدة المالية ، مما يجعلهم متقاربين متساويين ، و يبتعدون عن تكديس المال ، و تقوم ” الحكومة العادلة الصالحة ” بالتكفل بالذين لا يقدرون على العمل ، و تحارب التمايز ، و هذا يؤدي إلى احترام الناس بعضهم البعض بعيد عن أي شكل من اشكال الاحتكار ، و ذلك من خلال اشترك الناس في كافة اعمال الحياة ، بما يضمن تحقيق التقدم و ازدهار الأمة العربية ، و لا تكون السياسة ، و لا الدين مصدراً من أجل الحصول على الرزق ، و انما يكون المصدر الوحيد هو ” العمل الشريف ” ، و هذا يحقق للناس الحياة في ظل الرفاهية الاقتصادية و الثقافية و الاجتماعية ، و التأكيد على الرابطة القومية العربية من خلال الجمع بين المسلمين و المسيحيين ، و مدى أهمية الانتماء القومي من خلال التأكيد على وحدة الارض ، و اللغة ، و الثقافة ، و الأهداف المشتركة ، و وحدة العرب من كافة الأديان ، و ذلك بهدف التصدي للعوامل الداخلية و الخارجية المؤثرة على الأمة العربية ، مما سبق يتضح ان ” الكواكبي ” يرفض التعصب الديني و القومي ، و يؤكد على ضرورة التسامح بين الأديان و الأقوام بهدف تحقيق التعايش السلمي و التعاون بينهم ، و يقول أن ” الحضارة ” ( هي كل متكامل لا يتجزأ ) ([28]) .
- الوحدة الثقافية و الاجتماعية :
تأسست حركة الوحدة العربية خلال ” عصر التنوير ” و ” النهضة العربية الحديثة ” ، و تمحورت حول تجديد المجتمع العربي ، و إجراء اصلاح في أوضاع المجتمع من الناحية السياسية و الاقتصادية و الثقافية و الاجتماعية ، و يرجع ظهور تلك الميول نتيجة لبعث التراث العربي ، و خصوصاً الأدب العربي و اللغة العربية ، أن نمو الوعي القومي يتوازياً مع انتشار الثقافة العربية ، و ازدياد عدد المثقفين العرب ، و من هنا فإن أحياء الآدب العربي و الثقافة العربية ، يكون من خلال الرجوع إلى الافكار التي كانت الأدب تغرسها و تعمقها في عقول المثقفين العرب ، و هذا ادى إلى انتشار الوعي القومي العربي ، كذلك أن التاريخ العربي يزخر بالأدب و الثقافة العربية ، و خصوصاً الشعر العربي بكل امجادها و انجازاته و المثل العليا التي سادت المجتمع العربي ، و نقلتها إلى جيل من المثقفين و الأدباء و الشعراء العرب ، و من ثم يستوجب منح الاهتمام بالأدب العربي و الشعر العربي ، و زيادة تعميقه و ترسيخها في الحياة الثقافية العربية ، و لاسيما في المؤسسات التعليمية ، و منح اهتمام بالشكل رئيسي إلى اللغة العربية من كافة الجوانب ، سواء كان من حيث سلامتها و تنقيتها و تعليمها و نشرها و الاعتزاز بها ، يعدّ من أعلى و أولويات سلم الاحترام الاجتماعي العربي ، و التقدير الثقافي العربي .
و تكمن مكانة الأدب و الثقافة في المقارنة الماضى بالحاضر ، و ذلك بما يحتوى كلاهما الأدب و الثقافة من التاريخ الثقافي و الأرث الاجتماعي ، نظراً لان كلاهما يتضمن نقل الافكار التي ادت بدورها إلى ” التجديد ” في التاريخ ، و نقل افكار المثل العليا ، و القيام بالاصلاح الثقافي و الاصلاح الاجتماعي ، و هذا هي العلاقة المباشرة بين ظهور الوعي القومي و بعث التراث العربي ، علما أن العلاقة بين تلك المسألة ، و في كافة مسائل البحث الثقافي و الاجتماعي هو علاقة متقابلة ، بحيث يكون كل طرف فيها سبب و نتيجة في ذات الوقت ، و لكن الحقائق التاريخية و التحليل المنطقي تدل على ( أن ظهور الوعي القومي كان في الأساس نتيجة لتجديد الثقافة العربية و آدابها ) ([29]) ، و من خلال العلاقة بين القومية و الثقافة ، يمكن تحديد مكانة التعليم ، و تكمن العلاقة السببية بين التجديد الثقافة العربية و بعث التراث القومي العربي و بين النمو الوعي بالقومية العربية في توجيه الاهتمام بالتعليم كوسيلة من أجل تقوية نمو الوعي القومي ، و تسريع وثيرة عملية ” النهضة العربية الحديثة ” ، و يكون الاختيار للوسائل علمياً و ليس كيفياً .
أن الظروف البيئة المحيطة الداخلية و الخارجية ، توضح لنا بإن الأسباب و النتائج متقابلة العلاقة ، و تكمن وظيفة البحث العلمي في الدراسة و البحث ما وراء الظواهر ، من أجل معرفة الحقائق ، و القيام برسم و تخطيط البرامج العملية من أجل التغيير المناسب للاوضاع السائدة ، كما أن العلوم الطبيعبة تمكنت من تحقيق العديد من الانجازات العلمية من خلال اكتشاف ” القوانين ” التي تحكم الاشياء بنسبة أكبر ما حققته العلوم الاجتماعية و الانسانية ، و هذا يفسر لنا أن العلوم الطبيعية اقرب إلى العلم و المعرفة من العلوم الاجتماعية و الانسانية .
دور ( التعليم ) في زيادة الوعي بالقومية العربية :
أن الفترة ما بين الحربين العالميتين الأولى و الثانية ، و بعد الانتهاء من الحرب العالمية الثانية ، كانت المكتبة العربية تزخر بالأدبيات التي تتمحور حول الوعي القومي العربي من كتب و مجلات في الأدب و الشعر و السيرة و التاريخ ، و تركز موضوعات الكتب على مقومات و أهداف القومية العربية و الوحدة العربية ، أن هذه الأدبيات ذات تأثير واضح في تكوين الجيل العربي ، الذي انشاء بدوره الاتجاه السياسي و أكد على ضرورة الوحدة العربية و القومية العربية ، و كان للتعليم الدور الرئيسي في تكوين الاتجاه السياسي خصوصاً ، أن الوعي القومي العربي طبع مدارس الدول العربية بدرجات متفاوتة ، نظراً لاتباع مادة التعليم في المدارس منهجية تهدف إلى غرس و ترسيخ ” فكرة الوحدة العربية ” ، و تحقيق ” النهضة العربية ” ، و بناء ” الجيل الجديد ” ، و من ثم فإن ” المجتمع ” الذي تمكن من تحقيق التقدم و الرفاهية الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية هو المجتمع الذي يمتلك حرية الاختيار ، و أن ترسيخ المثل العليا في ” الجيل العربي ” هو ايقاظ للجانب المثالي الروحي في الإنسان و الوحدة العربية ، و يوازي في الأهمية ترسيخ الايمان بالحرية و الاستقلال ، و بقيم العدالة و استقامة السلوك ، و سائر القيم الروحية و المثالية ، و هذا يؤدي إلى تحرير الانسان العربي بعقلانية و بشكل مدروس .
أن تحقيق ” الوحدة العربية ” ليس من ضمن الأهداف السياسية بل هي أعلى المثل العليا ، أن المحيط الثقافي بصورة عامة خارج المدارس كان منسجماً و متناسقاً مع تلك المنهجية التعليمية ، و من هنا ندرك أن التنظيم السياسي عمل يهدف إلى تحقيق مجموعة من المبادي التي تتمحور حول تحمل مسؤولية بناء المجتمع الجديد من الناحية السياسية و الاقتصادية و الثقافية و الاجتماعية ، و على أثر ذلك ، ظهرت الحاجة الماسة إلى النظرية القومية العربية ، و من ثم انتقل الفكر السياسي لمرحلة جديدة و كان ” للثقافة و مؤسسات التعليم الدور الرئيسي ” .
و الجدير بالذكر ، أن الوعي القومي العربي و تحقيق الوحدة العربية شهد العديد من الهبوط نتيجة مدى تأثير العوامل الداخلية و الخارجية على المنطقة العربية ، أن العوامل الداخلية تمثلت في فشل تحقيق الوحدة بين سورية و مصر ، و النكسة الخامس من حزيران ، أما العوامل الخارجية كانت نتيجة الاحتكاك بثقافات الدول الكبرى نظراً لان ثقافة الغرب تقاوم فكرة الوحدة العربية ، و تسعى إلى الابقاء أوضاع الأمة العربية على ما هي عليها ، حيث أن ( جهود الغرب الثقافية في هذا المجال معروفة تؤكد دوماً على ابقاء واقع التجزئة و التخلف و التبعية للغرب لأصول ما يمكن من الزمن ) ([30]) ، أما ثقافة الشرق و هي المعسكر الاشتراكي تؤكد على الاتجاه الأممي ، و اعتبار القضية الاجتماعية لا تمثل القضية القومية ، و هذا يدّلل على أن المعسكر الاشتراكي يقاوم الوحدة العربية ، و من خلال مدى تأثير العوامل الداخلية و الخارجية من المعسكرين الرأسمالية و الماركسية ، تكون اتجاه يقاوم الوحدة العربية ، و هو يلفت الانتباه لما هو عكس تيار الوحدة العربية .
أن ” الجيل العربي الجديد ” الذي حظى بالتعليم في المدارس ، لم يجد في المكتبات الثقافة القومية و أدبيات الوحدة العربية كما حظيت الاجيال العربية الماضية ، اضافة إلى أن التعليم في المدارس بصفة عامة ، نتيجة العديد من العوامل ركز على الاهتمام بواقع التجزئة بدلاً من التأكيد على الوحدة العربية و تحقيق التكامل السياسي و الاقتصادي و الثقافي و الاجتماعي على مستوى الدولة العربية الواحدة و على مستوى التكتل العربي شبه الاقليمي و من ثم على مستوى المنطقة العربية بطريقة عقلانية و علمية و عملية و مدروسة .
بناء على ما سبق ، هناك ثلاثة محاور أساسية يستوجب التركيز ، و هي :
- أن الجيل العربي الذي اتاح المجال لحصوله على التعليم من المراحل الأساسية إلى الجامعة ؛ يستوجب أن يتحصل على الثقافة التي ترسخ و تعمق فكرة الايمان بالوحدة العربية و التكامل العربي ، و ايقاظ الروح القومية العربية من خلال الاستعانة بالوسائل التعليمية و الايضاحية ، و منح الجيل العربي معلومات كاملة عن التاريخ العربي و جغرافية الوطن العربي و معرفة و اتقان اللغة العربية و تلعب الكتب المدرسية الدور الرئيسي
- أن يكون المحيط الثقافي لجيل العربي الجديد مشبع بالروح القومية العربية ، و الايمان بالوحدة العربية في كافة المجالات ، و من ثم يستوجب العمل على نشر وسائل الثقافة و خاصة المكتبة ، و من الأهمية أن تكون الأدبيات المطبوعة و الثقافة المنقولة سمعاً و بصراً تؤكد على مدى أهمية ” شخصية الأمة العربية ” ، و الانتماء إلى القومية العربية و الوحدة العربية ، و كيفية التصدي للثقافات المعادية .
- منح الاهتمام ( بالمعلم ) خصوصاً في المراحل التعليمية الأولى ، فالمعلم يجب الا يكون ناقلاً للافكار و المعلومات ؛ بل يستوجب أن يكون مدرك عقلياً و فكرياً لتلك الافكار و المعلومات ، أى بصورة فعلية و عملية ، و أن يكون ( المعلم ) مشبعاً بالشعور القومي العربي ، و المسؤولية العامة ، و يقوم باداء واجبه على أفضل صورة ، و يستوجب أن يتم اختيار ( المعلم ) بشكل سليم و اعداده الثقافي و تدريبه جيداً ، و اعداد الوسائل اللازمة الكاملة في العمل ، و أن يكون مرتبه المادياً جيد ، و تقديره المعنوي يكون عالياً من أجل المحافظة على ضميره في الأداء العلمي .
أن الاهتمام ( بالتعليم ) في معظم الاحيان يكون من قبل الدولة ؛ و يكون ( الاصلاح التعليمي ) مرتبط بالإرادة السياسية العربية ، بمعنى متى توفرت الإرادة السياسية العربية يكون بالامكان القيام بـــ ( اصلاح النظام بكامله ) ، و العكس صحيح ، و لكن لا يعكس كافة جوانب الموضوع ، فالواقع أن ( الاصلاح ) عند توفر الإرداة السياسية العربية ، يمكن أن يتم بصورة تلقائياً ، و من ثم يستوجب البحث و المناقشة و التفكير من أجل رسم و تخطيط كيفية ( الاصلاح الشامل لنظام التربية و التعليم ) ، و التركيز على دور ( التربية ) في نشر الوعي القومي العربي ، و ( اصلاح نظم التربية في الاقطار العربية ) من أجل تحقيق الوحدة العربية ، و في هذا الصدد يقول ” الدكتور سعدون حمادي ” ، أن العلاقة المباشرة بين نظام التربية و النهضة العربية و الوحدة العربية سواء في المستقبل القريب و البعيد ، تكمن في اصلاح نظام التعليم و القضاء على الأمية و تحقيق التنمية الاقتصادية ، الذي يؤدي على المدى البعيد إلى أنشاء مناخ مناسب بهدف نشر الوعي القومي العربي ، و يسترسل ” الدكتور حمادي ” بإنه لا يبحث على ذلك النوع من العلاقات بل عن علاقات السبب و النتيجة المباشرة ، و التي تكون في اطار الفعل البشري ، و مدى تأثير الإرادة السياسية العربية ، و من هنا فإن عملية نشر الوعي القومي العربي تعدّ قضية مستقلة و قائمة بحد ذاته ، و تتطلب خطة خاصة محددة و عمل مستقل محدد .
رابعاً : الوحدة العسكرية و الأمنية :
بعد حصول الدول العربية على استقلالها السياسي و المحاولات المتكررة إلى الوحدة العربية الشاملة أو الجزئية ، أو حتى وحدة ايجابية في أي قطاع من قطاعات الحياة الرسمية أو غير الرسمية ، لم يتمكن الوطن العربي من تحقيق وحدة سياسية أو وحدة عسكرية أو وحدة ثقافية أو وحدة جمركية أو وحدة اقتصادية أو وحدة نقدية .
في هذا المحور يتم التركيز على ” الوحدة العسكرية العربية ” من خلال التركيز بصورة أساسية على قضية القيادة المركزية للتنظيم القومي العربي الموحد ، و مصدر قوته و مدى شرعيته و قدرتها بشرط ضرورة الزام كافة الأطراف بقبول قراراته القومية ، و من ثم إذا تم التسليم بصورة مبدئية بأن الأنظمة السياسية العربية الداخلية ، و اللوائح المنصوص عليها هي التي سوف تحدد اشكال الالتزام و شروطه ؛ يستوجب أن تعبر الأنظمة عن قوة فعلية ، تؤكد على ضرورة تطبيقها و الالتزام بها ، بهدف يكون المركز القيادي إلى أي تنظيم وحدوي يتمتع بالقدرة على ضبط فروعه المختلفة ، كما يستوجب أن يتمتع بالشرعية التنظيمية ، و القدرة على السيطرة المؤثرة على كافة التصرفات في مختلف الدول العربية ، و ذلك من أجل عدم تعارضها مع برامجها ، أو تتحول العلاقات بينها إلى نوع من التناحر أو الصدام ، خصوصاً إذا ما أكدت ” الوحدة العربية ” عليها و هو وحدة المصير ، و وحدة الدفاع المشترك ، و وحدة الهدف من أجل مواجهة الخطر المشترك ، و التعاون على بناء المستقبل العربي ، و ذلك بما يتناسب مع الظروف البيئة المحيطة على المستويين الداخلي و الخارجي .
يعدّ ” التعاون العسكري العربي الموحد ” من أرقى مراتب التحالفات السياسية ، من أجل حماية الوطن العربي ، و مواجهة الخطر المشترك ، أما فيما يتعلق بدرجة التزام باحكام العمل العسكري العربي ، فإنه قد يأخذ شكل من أشكال عديدة ، و ذلك وفقا لدرجة الانسجام أو التنافر المصلحة الفردية لأطرافه مع الصالح العام لمجموعه ، و مدى تأثير عوامل أيديولوجية و سياسية و اقتصادية مؤثرة ، و بالمقابل فأن أدني اشكال ” التعاون العسكري ” هو ( مجرد التنسيق بين الخطط الموضوعة مع استمرار حرية الأطراف المختلفة في المسرح الواحد أو المسارح المتعددة في التصرف حسبما يشاؤون ، أما أقصى هذه الأشكال التزاماً فهو الاندماج التام تحت قيادة موحدة ) ([31]) .
أن معظم المفكرين العسكرين و فلاسفة الحرب و استناداً إلى التجربة الإنسانية في انحاء مختلفة على المستوى العالمي و ذلك على امتداد قرون طويلة من الفشل و تحقيق النجاح تعدّ هي النموذج الكامل و الصيغة المثالية التي تضمن تضافر و توحيد الجهود و حشد كافة الطاقات البشرية و المادية ضد العدو المشترك في المعركة الحديثة ، علماً أن السجل العسكري العربي يزخر بالعديد من الأحلاف التي ادت إلى النصر ، و ادت إلى الهزيمة ايضاً ، مما يدّلل على أن ” التعاون العسكري العربي ” ليس استحداثا حديثاً عصرياً ، بل هو قديم ، و أروقة المكتبات التاريخية مليئة بما تمكن التعاون العسكري العربي من تحقيقها ، و ما وصل إليها من هزيمة ، و قد نصت معاهدة التعاون الاقتصادي و الدفاع المشترك بين الدول العربية ، من المادة الثانية ( تعتبر الدول المتعاقدة كل اعتداء مسلح يقع على اية دولة أو اكثر منها ، أو على قواتها ، اعتداء عليها جميعاً . و لذلك فإنها عملاً بحق الدفاع الشرعي – الفردي و الجماعي – عن كيانها ، تلتزم بأن تبادر إلى معونة الدولة أو الدول المعتدى عليها ، و بأن تتخذ على الفور ، منفردة و مجتمعة ، جميع التدابير و تستخدم جميع ما لديها من وسائل بما في ذلك استخدام القوة المسلحة لرد الاعتداء و لإعادة الأمن و السلام الى نصابهما .
و تطبيقاً لأحكام المادة السادسة من ميثاق جامعة الدول العربية و المادة الحادية و الخمسين من ميثاق الأمم المتحدة يخطر على الفور مجلس الجامعة و مجلس الأمن بوقوع الاعتداء و ما اتخذ في صدده من تدابير و إجراءات ) ([32]) ، و لكن نتيجة اختلاف و تفاوت النظم العسكرية في الاقطار العربية ، نظم التسليح و التدريب بين الاقطار العربية ، ادى إلى انعكاسها سلباً على امكانيات التعاون العسكري العربي المشترك ، و هذا يوضح أن قيادة العديد من الجيوش العربية ، و أن كانت متقاربة و متجانسة أصبحت ذات أهمية ، و في آن واحد تتميز بصعوبة نظرأ لاختلاف بين الأنظمة العسكرية العربية و تسليحهما و تدريبهم ، إضافة يتطلب خبرة و تدريب عملياً و أجهزة متقدمة ، وذلك بما يتناسب مع التقدم العسكري من حيث الخبرة و التدريب في الدول المتقدمة ، و توفير وسائل النقل البرية ، و البحرية ، الجوية السريعة و المتقدمة .
بناء على ما سبق ، نؤكد على عاملين هما :
- توحيد ” الاستراتيجية القومية العربية ” التي تركز حول توحيد الاستراتيجيات الوطنية الداخلية و الخارجية .
- توحيد الأمن القومي العربي و أن اقتصار اهتمامه على خطر واحد أو مجموعة اخطار محدودة نظراً لان الأمن القومي العربي يرتبط مع المصلحة القومية ، نتيجة لان كلاهما يهدفان إلى الدفاع عن كيان الأمة ، و تحقيق الرفاهية و الأمن و الاستقرار
و في هذا الصدد يمكن تحديد مفهوم ” الأمن القومي العربي ” و هو ( تأمين كيان الدولة و المجتمع ضد الأخطار التي تتهددهما داخلياً و خارجياً ، و تأمين مصالحهما ، و تهيئة الظروف المناسبة اقتصادياً و اجتماعياً لتحقيق الأهداف و الغايات التي تعبر عن الرضا العام في المجتمع ) ([33]) ، و من أهم عناصر ” الأمن القومي العربي ” ، هو :
- العمل على تحقيق مستوى التنمية الذي يتمحور بشكل أساسي حول الاستقرار السياسي و الاجتماعي في الدول العربية ، و الأمن الوطني للدول العربية منفردة ، و الأمن القومي للدول العربية مجتمعة .
- العمل على تحقيق درجة من التنسيق السياسي بهدف التأكيد على ابراز الإرادة السياسية العربية الموحدة ، و الاتفاق على تحقيق الحد الأدني من الاستراتيجية القومية بهدف مواجهة التحديات الخارجية المختلفة .
- التأكيد على تأمين درجة من القدرة على مواجهة التهديد السياسي و العسكري الذي تتعرض الأمة العربية و شعوبها ، و كيفية امتلاك مصداقية التصدى و الردع التي تكفل تحقيق أمن الدول العربية ، و سلامتها على المستوى الاقليمي .
و من ثم يستوجب على الدول العربية الانضمام و التوحيد تحت مظلة ” الأمن الوطني العربي ” و هو كما عرفه روبرت ماكنمارا Robert Monomara ( عبارة عن التنمية و من بدون التنمية لا يمكن أن يوجد أمن و أن الدول التي لا تنمو في الواقع لا يمكن ببساطة ، أن تظل آمنة ) ([34]) ، أن تحقيق ” الأمن القومي العربي ” من أجل لا تتفرق السبل أو تتضارب الأهداف و الغايات بالدول العربية يتطلب تحقيق التوازن بين القوة المادية و القوة المعنوية و استتباب أمن المؤسسات و الأنظمة العربية المختلفة التي تكفل تحقيق الاستقرار و الاستمرار ، و في هذا يقول ” اللواء الركن حسن البدري ” ( أن اقطارنا العربية ذات سياسات حادة التقلب ، و بالنسبة للجماهير العريضة تلعب الاعتبارات الشخصية قدراً كبيراً في توجيه الأمور بسبب المزاجية أو المجاملة أو الروابط الشخصية أو الاعجاب بالذات أو النزعات الطائفية أو الجهل بتفاصيل القضايا و عواقبها ) ([35]) ، و الوصول إلى مستوى متوازن و مماثل من النمو الفكري و الاقتصادي و الاجتماعي بين كافة الدول العربية ، الذي سوف يؤدي إلى ” وحدة عربية شاملة ” .
خلاصة الدراسة :
توصيات الدراسة :
- ضرورة العمل على تحقيق التكامل على مستوى كل دولة عربية تمهيداً لتحقيق التكامل على مستوى المنطقة العربية .
- التصدى للعوامل الخارجية التي تتمثل في العلاقات الاقتصادية الغير متكافئة مع الدول المتقدمة .
- التأكيد على النضال الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي في الدول العربية و خاصة في فلسطين من اجل إقامة ” دولة فلسطين ” .
- العمل على تحقيق النسيج الثقافي و الاجتماعي العربي الوطني القومي الموحد من خلال إقامة مجتمع معرفي في كل دولة عربية تمهيداً لإنشاء مجتمع معرفي عربي موحد .
- التخلص من التبعية بكل أنواعها من أجل تحقيق التكامل العربي .
- التأكيد على احترام القانون في كل دولة عربية .
- أحياء الحضارة العربية .
- التصدى للكيان الصهيوني من خلال إقامة دولة فلسطين و توفير فرص التعليم و التعلم للشباب و اطفال المجتمع الفلسطيني .
- القضاء على الفساد الإداري ، و تقوية الإرادة العربية في كل المجالات ، و تحقيق التنمية العربية .
- القضاء على التخلف الاجتماعي و الاقتصادي و الثقافي ، و من ثم التركيز على بناء ” الإنسان العربي ” و الاهتمام بالأسرة العربية التي هي نواة المجتمع .
- الاهتمام ” بالمعلم ” و التعليم في الدول العربية .
- اقامة دول القانون و المؤسسات و التنمية في المنطقة العربية .
- حماية الأمن القومي في كل مجالاته بكل دولة عربية .
- البدء بتطبيق مشروع النهضة العربية في كل دولة عربية .
من أهم نتائج الدراسة ، أن الدول العربية تمكنت من :
- تحقيق الوحدة العربية على المستوى الثنائي .
- البدء بتطبيق الخطوات الأولى من التكامل على مستوى الدولة .
- إقامة دولة فلسطين .
- القضاء على الأزمة الاقتصادية التي تمر بها بعض الدول العربية .
- التخطيط للقضاء على التخلف و التجزئة و التخلص من التبعية من خلال تنفيذ الخطوات المنصوص عليها في القمم العربية المتعلقة بمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى .
- الاهتمام ” بدور المعلم ” و المنظومة التعليمية في الدول العربية .
- تحقيق التنمية في كل المجالات بكل الدول العربية ، و مد يد المساعدة للدول التي تعاني من وطأة الحروب و ازمات اقتصادية مثل اليمن و سوريا و السودان و الصومال .
- سعى الدول العربية إلى إقامة دولة الحق و القانون و المؤسسات و التنمية .
- تطبيق العديد من الدول العربية برامج بناء و الاصلاح الإنسان و الأسرة .
- تطوير العلوم العسكرية و الأمنية في الدول العربية من اجل تعزيز سبل التعاون العسكري و الأمني على أسس قانونية و علمية و عملية بين الدول العربية .
استشراف الدراسة :
- ينبغى العمل على تحقيق التكامل الاقتصادي بشكل منظم في كل دولة عربية من اجل تحقيق التكامل الاقتصادي العربي .
- الاستمرار في التطور الحضاري في كل دولة عربية ” مدينة – منطقة – قرية ” ، و تطبيق برامج النهضة العربية .
- الانتقال من مرحلة الاستعمار إلى مرحلة التعاون مع التكتلات الاقتصادية الاقليمية الدولية بهدف تعزيز سبل السلام الدولي .
- التأكيد على الوعي الوطني القومي العربي ، و وحدة النسيج الاجتماعي و الثقافي العربي .
- ايجاد حلول للعوامل الداخلية و الخارجية المؤثرة التي تشكل عائق امام تحقيق التكامل على مستوى الدولة العربية الواحدة و المنطقة العربية .
- التصدى للكيان الصهيوني من خلال التأكيد على تعليم المجتمع الفلسطيني و تثقيفها ، و إقامة دولة فلسطين ” دولة القانون و المرسسات و التنمية ” .
- تطبيق منهج العقلانية و الموضوعية في التعاون السياسي و الاقتصادي و الثقافي و الاجتماعي و الأمني و العسكري بين الدول العربية .
- البدء بانشاء مجتمع معرفي مستدام في كل دولة عربية .
- الاهتمام ” بالمعلم و المنظومة التعليمية ” في كل دولة عربية ، و مد يد المساعدة للدول العربية التي تعاني من حروب و ازمات منها اليمن و سوريا و الصومال و السودان .
- التحلي بالاخلاق الحميدة مع التأكيد على ضرورة أن يعمل كل انسان عربي ” العمل الشريف ” الملائم له ، و تخصيص معاشات للاشخاص الذين لا يستطيعون العمل من اجل أن يعيشوا بكرامة و أنسانية .
- أنشاء مراكز التربية و الاصلاح في الدول العربية من اجل اصلاح و تعليم ” الإنسان ” الاعتياد على الخصال و الصفات الحميدة و الطبيعية الكمالية ، و انتهاج ” الإنسان ” الأفعال الحسنة و المحترمة و المعاملة الجيدة ، و المحبة و التعاون و حسن الظن و الصدق ؛ أي بمعنى تعزيز القيم و الأخلاق الفاضلة و محاسنها ” القانون التربوي و الاجتماعي “
- الاستمرار في ” التنوير ” بكل دولة عربية ” مدينة – منطقة – قرية ، و تصنيف العواصم العربية بهدف تنظيم الحياة للإنسان و الأسرة و المجتمع .
- التأكيد على تطوير العلوم العسكرية و الأمنية في كل دولة عربية من اجل المحافظة على الأمن القومي العربي .
- تطوير معاهدة الدفاع المشترك و التعاون الاقتصادي بين دول الجامعة العربية و هذا يعتمد على التقيد بالقانون في كل المجالات و إقامة دولة الحق و المؤسسات و التنمية .
الاستاذة : فاطمة أحمد الثني
ماجستير علوم سياسية -جامعة طرابلس سنة 2019 م
دولة ليبيا
[1]– عبد الوهاب الكيالي ، و آخرون ( تحرير ) ، موسوعة سياسة : الجزء الرابع ( بيروت العربية للدراسات و النشر ، 1994 ) ، ص . 832 .
[2]–عوني فرسخ ، ” جدلية الوحدة و التجزئة تاريخياً و في الواقع العربي المعاصر ” ، المستقبل العربي ، العدد 236 ( أكتوبر1998 ) : 43 .
[3]– خلدون نويهض ، ” تكوين الحدود العربية : لماذا ، و إلى أين ” ، المستقبل العربي ، السنة 17 ، العدد 187 ( أيلول/سبتمبر 1994 ) .
[4]– جمال الشاعر ، ” اليات التوحيد العربي ” ، المستقبل العربي ، العدد 124 ( يونيو 1989 ) : 21 .
[5]– أحمد بوذروة ، ” الوحدة العربية بين تحليلي جلال امين و فرج السطنبولي : تعليق و نقد ” ، المستقبل العربي ، العدد 56 ( اكتوبر 1983 ) : 139 .
[6]-المرجع السابق : 140 .
[7]– أحمد بوذروة ، ” الوحدة العربية بين تحليلي جلال امين و فرج السطنبولي : تعليق و نقد ” ، المستقبل العربي ، مرجع سبق ذكره : 144 .
[8]– سعدون حمادي ، ” الوسائل غير المباشرة لتحقيق الوحدة العربية ” ، المستقبل العربي ، العدد 33 ( نوفمبر 1981 ) : 6 .
[9]– سعدون حمادي ، ” الوسائل غير المباشرة لتحقيق الوحدة العربية ” ، المستقبل العربي ، مرجع سبق ذكره : 10 .
[10]-المرجع السابق : 15 .
[11]– عوني فرسخ ، ” جدلية الوحدة و التجزئة تاريخياً و في الواقع العربي المعاصر ” ، مرجع سابق ذكره : 40 .
[12]– عارف دليلة ، ” بعض انعكاسات البعد الاقتصادي للوحدة العربية في الفكر الاقتصادي العربي المعاصر ” ، المستقبل العربي ، العدد 97 ( مارس 1987 ) : 134 .
[13]– الدكتور عبد الرحمن البزاز : هذه قوميتنا ، دار القلم بالقاهرة ، ص . 100 .
[14]– عارف دليلة ، ” بعض انعكاسات البعد الاقتصادي للوحدة العربية في الفكر الاقتصادي العربي المعاصر ” ، المستقبل العربي ، مرجع سبق ذكره : 160 .
[15]– مصطفى ابو زيد فهمي ، الوجيز في النظرية العامة للقومية العربية .منشأة المعارف الاسكندرية ، سنة 1967 . ص : 31 – 47 .
[16]-ابو خلدون ساطع الحصري ، سلسلة التراث القومي : ما هي القومية ؟ ابحاث و دراسات على ضوء الاحداث و النظريات ( بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية ، 1985 ) ، ص 131 .
[17]– ابو خلدون ساطع الحصري ، سلسلة التراث القومي : ما هي القومية ؟ ابحاث و دراسات على ضوء الاحداث و النظريات ، مرجع سبق ذكره ، ص . 137 .
[18]– ابو خلدون ساطع الحصري ، ابحاث مختارة في القومية العربية ( مصر : دار المعارف ، 1964 ) ، ص . 44 .
[19]– محمد لبيب شقير ، ” الجانب الاقتصادي في الفكر الوحدوي العربي :المرحلة الاولى منذ بداية الفكر القومي العربي حتى منتصف الخمسينات ” ، المستقبل العربي ، العدد 3 ( سبتمبر 1978 ) : 83 .
[20]– محمد لبيب شقير ، ” الجانب الاقتصادي في الفكر الوحدوي العربي :المرحلة الاولى منذ بداية الفكر القومي العربي حتى منتصف الخمسينات ” ، المستقبل العربي ، مرجع سبق ذكره : 84 .
[21]-باسل البستاني ، ” آراء و مناقشات : أزمة الفكر العربي الوحدوي الاقتصادي ” ، المستقبل العربي ، العدد 88 ( يونيو 1986 ) : 144 .
[22]– المرجع السابق : 148 .
[23]-باسل البستاني ، ” آراء و مناقشات : أزمة الفكر العربي الوحدوي الاقتصادي ” ، المستقبل العربي ، مرجع سبق ذكره : 145 .
[24]-عبد الوهاب الكيالي ، و آخرون ( تحرير ) ، موسوعة السياسة : الجزء السابع ( بيروت : المؤسسة العربية للدراسات و النشر ، 1994 ) ، ص . 663 .
[25]– http://WWW. Moqatel . com .page . 2 of 2 .
قرارات مؤتمرات القمة و بياناتها .
[26]-محمد عابد الجابري ، المشروع النهضوي العربي مراجعة نقدية ( بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية ، 2000 ) ، ص . 52 .
[27]– عبد الرحمن الكواكبي ، طبائع الاستبداد و مصارع الاستعباد ، ( بيروت : دار النفائس ، 1973 ) ، ص . 133 .
[28]-المرجع السابق ، ص . 136 .
[29]– سعدون حمادي ، ” الوحدة و الثقافة و التعليم ملاحظات أولية ” ، المستقبل العربي ، العدد 8 ( يوليو 1979 ) : 46 .
[30]– سعدون حمادي ، ” الوحدة و الثقافة و التعليم ملاحظات أولية ” ، المستقبل العربي ، مرجع سبق ذكره ، ص . 47 .
[31]-اللواء الركن حسن البدري ، ” في الوحدة و التعاون العسكري العربي ” ، المستقبل العربي ، العدد 11 ( يناير 1980 ) : 11 .
[32]-عبد الوهاب الكيالي ، و آخرون ( تحرير ) ، موسوعة السياسة : الجزء السابع ( بيروت : المؤسسة العربية للدراسات و النشر ، 1994 ) ، ص . 552 .
[33]-على الدين هلال ، و آخرون ( تحرير ) ، العرب و العالم ( بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية ، 1988 ) ، ص . 140 .
[34]-أسس و مبادئ الأمن الوطني .
http : ∕∕ www . moqatel . com ∕ openshare ∕ Behoth ∕ Askria6/ OsosAmnWat ∕ sec 07 . doc – cvt htm . ∕ 22∕7∕2010 . ∕ page 3 of 3 .
[35]-اللواء الركن حسن البدري ، ” في الوحدة و التعاون العسكري العربي ” ، مرجع سابق ذكره ، ص 7 .