الرئيسية / أخبار / تأثير الاقتصاد الدولي على الاقتصاد العربي: دراسة تاريخية تحليلية

تأثير الاقتصاد الدولي على الاقتصاد العربي: دراسة تاريخية تحليلية

فاطمة الثني

يرجع تأثير الاقتصاد الدولي على الاقتصاد العربي إلى القرن التاسع عشر حيث بدأت النهضة العربية التي كانت في أوج عصرها الذهبي في التراجع نتيجة عدة اسباب من اهمها بداية تذبذب الاقتصاد العربي امام الاقتصاد الدولي ، و انتقال الاقتصاد العربي الى مرحلة التبعية السياسية و الاقتصادية ، و بناء على ذلك  سوف ندرس في هذه الورقة البحثية التاريخية مراحل الاقتصاد العربي بداية من القرن التاسع عشر الى نهاية القرن العشرين ،      و اهم الاتفاقيات العربية الموقعة في جامعة الدول العربية .

يمكننا دراسة الاقتصاد العربي من خلال  مجموعة  المحاور الأساسية  ، و هي  :

  • أوضاع البلاد  العربية  خلال  القرن  التاسع  عشر  .
  • أوضاع البلاد  العربية  خلال  القرن  العشرين  .
  • مدى تأثير  المتغيرات  السياسية  و الاقتصادية  على  الاقتصاد  العربي  .
  • النظام الاقتصادي  العربي  الجديد  .
  • أوضاع البلاد  العربية  خلال  القرن  التاسع  عشر  :

تعدّ  العقود  الأربعة  الأولى  من  القرن  التاسع  عشر  محاولات  رائدة  من  اجل  تحقيق  نهضة عربية مستقلة تعتمد على الطاقات  الفكرية  و الذاتية  و الاقتصادية  ، و توضح  الدلائل أن هذه المحاولات  في  حالة  استمرت  دون  ممارسة  ضغط  خارجي  لكانت  أدت  إلى  التقدم  الاقتصادي  و حافظت  على  السمات  للثقافة  العربية  و الاسلامية  ،  و  كانت  هناك  إمكانية ” إقامة  الدولة  العربية  الواحدة ” ،  و  نحاول  التمييز  بين  العقود  الأربعة  الأولى من القرن التاسع عشر و بقية العقود منه ، يعدّ  التحول  في  أوضاع  البلاد  العربية  بين  النصف  الأول  و  الثاني  من  هذا  القرن  من  المحاولات  الناجحة  و  البارزة  للاستقلال  ثم  الانتقال  إلى  التبعية  السياسية  أو الاقتصادية  أو  كلاهما  ،  الامر  الذي  انعكس  على  اتجاه الثقافة  العربية  نظراً لان  التبعية الاقتصادية  لاسيما  عندما  تقترن  بالتبعية  السياسية  تؤثر  سلباً  على  الجانب  الثقافي  و الاجتماعي  في  المجتمعات  .

أن  الحملة  الفرنسية  على  مصر  ادت  إلى  هزيمة  عسكرية  لمماليك  مصر  رغم  مدى  محدوديتها من الناحية  الاجتماعية و الاقتصادية إلا  أنها  لم  تنجح  في  أضعاف  ثقة المواطن  المصري بذاته أو ثقة  المسلم  في  سلامة عقيدته  و  استمر  المصريون  يعتقدون  بأن دينهم  هو أكثر الأديان كمالاً و بأن لغتهم  مقدسة لأنها  لغة  ” القرآن الكريم ”  و استمرت  ذاكرتهم  مرتبطة بتاريخ التي  تحققت  فيه الأمجاد العربية و الانتصارات و فتوحات  المسلمين  الأوائل ، تقول  عفاف  لطفى  السيد لقد  رأى العلماء  المصريون (  لدى الفرنسيين  ) كثيراً مما  يثير  اعجابهم ، إلا أنهم لم يجدوا إلا القليل  مما  يريدون  تقليده  أو  تعلمه  ، بل  و  حتى  اعجابهم  كان يقترن من  حين  لآخر  بالشعور  بالاحتقار كلما  رأوا فشل  بعض تجارب  الفرنسيين  .  لقد كان الحاجز الذي يكونه الاسلام و الشعور بالتفوق المتولد عن الاعتقاد  فيه  ، من  الصلابة  بحيث  لم يكن  ليحطمه هذا الاحتكاك قصير  الأمد  ([1]) ، و نشير إلى أن العرب  كانوا  خاضعين لسلطة غير عربية و كانت  اللغة  التركية هي اللغة  الرسمية  إلا  أن  الأتراك  لم يعملوا  مثلما  عمل الأوروبيين  من  بعدهم  على  نشر  ثقافتهم  على  حساب  الثقافة  العربية  بل  أن  العرب  لم يعتبروا خضوعهم  للحكم  العثماني خضوعاً  لحكم أجنبي  نظراً لأنهم  كانوا  يعتبرون  أنفسهم مسلمين  قبل  أن  يكونوا عرباً و يعدّون ما  يحرزه  الأتراك  من  انتصارات  هو  انتصار  للأسلام  ،  عمد  ”  محمد  على  ”  على  ادخال  بعض  مصالح  الحضارة الأوروبية  إلى البلاد  الخاضعة  لحكمه حيث قام بإرسال البعثات  الدراسية  إلى أوروبا  و استقدم  الخبراء  من  أوروبا  بهدف  تحديث  جيشه  و  صناعاته  ،  إلا  أنها  ينبغي  التميز  بين  نوع  التغريب  الذي  حدث  في  عهد  ”  محمد  على ”  و  الذي  بدأ  ينتشر  في  عهد  خلفائه  أو  البلدان  العربية الأخرى مع النصف  الثاني من القرن التاسع  عشر  و  قد  تميز  الأوروبيون  القادمون  إلى  مصر  خلال  فترة  حكم  ”  محمد  على ”  بأنهم  أشخاصاً  يتميزون  بدرجة  عالية  من  الخبرة و الكفاءة  تم احضارهم  إلى  مصر  بهدف  اصلاح  نظام  الري  أو التعليم  أو  لإدخال  فنون  الحرب أو الصناعة الحديثة و ذلك عكس القادمين  من  بعده  من  مغامرين  أو مغاربين  أو مرابين  أو سماسرة  ، مع  الأخذ  بالعلم  ،  بأن  العديد  ممن  تم  احضارهم  من  أجانب  إلى  مصر اتخذوا من مصر موطناً لهم  و  لم  يعودون  إلى  أوروبا  إلا  خلال  فترات  محدودة  و هذا  يفسر  كيفية  اتحاد  مصلحتهم  الشخصية  بمصلحة  مصر  و  حاكمها  لاسيما  أنهم  لم  يستطيعوا  العيش  بمعزل  عن  أهل  البلد  و  لا  حولوا  بعض  أحياء  القاهرة  أو الاسكندرية  إلى أحياء  أوروبية  بل  عاشوا  مثلما  يعيش  أهل  البلاد  يسكنون  مثل  مساكنهم  يلبسون  لباسهم  و  يأكلون  مثلهم  إما  بالنسبة  إلى  البعثات  الدراسية  التي  أرسلها ” محمد  على ”  إلى  أوروبا  فقد  تم  أخضاعها  لإشراف  صارم  حيث  وصل  بعض  أفرادها  إلى  طلب  اتاحة  المجال  لهم  بالتجول  في  أنحاء  فرنسا  من  اجل  التعرف  على نمط  الحياة  الفرنسية  إلا  أن  ” محمد  على ”  رفض طلبهم  علماً  بأن  ”  محمد  على  ”  لم  يكن  يعاني  من  الشعور  بالنقص اتجاه  الأوروبيين  و قد  أرسل  ” رفاعة الطهطاوي ”  إلى  فرنسا  مع  المبعوثين  المصريين  من  اجل الإشراف  على  قيامهم بشعائر الدين ، و مع  مرور سنوات  القرن  التاسع عشر خضعت  البلاد  العربية واحدة  تلو الأخرى  للاحتلال حيث  لحقت مصر  و  تونس  و السودان قبل  نهاية  القرن  التاسع  عشر  بالجزائر و عدن و ازداد عدد الأوروبيين  المقيمين في البلاد العربية بنسبة كبيرة  مع  تمتعهم  بامتيازات  تستند  على  كونهم  أوروبيين  و من اجل حماية  القناصل  ،  ففي  مصر  جذبت  أرباح  التجارة  الخارجية  و قروض الحكام  عدد متزايداً من التجار الأجانب و الوسطاء و المرابين حيث بلغ  عدد  الأجانب  الوافدين  منهم  قبل  ذلك  بعشر سنوات  و  بدأت  تتكون  لهم  أحياء  خاصة  بهم في القاهرة  و الاسكندرية  ،  إما في  لبنان و سوريا  فقد  جذبت  تجارة  الحرير و الاستيراد السفن  التجارية  إلى  ميناء  بيروت و دعوة عدد من  السوريين و اللبنانيين  من مهجرهم في البرازيل  و الولايات  المتحدة  الأمريكية و استراليا و ما اكتسبوه من مدخرات و أذواق جديدة  إلى انتشار و عادات  و  تقاليد  جديدة في  الاستهلاك  و بالتوازي انتشرت  مدارس الارساليات  الأجنبية  من  خلال  تشجيع  الولاة  الجدد  في مصر و المارونيين  في  لبنان  و قد  خصص  ” سعيد  باشا  ” مبالغ  طائلة على المدارس الأجنبية  بنسبة  أكثر  مما  أنفاقه  على  المدارس  الحكومية  ،  هذا يوضح  مدى  تأثير  التبادل  التجاري على  العادات  و  التقاليد  العربية  و  البنية  التعليمية  من  خلال  استهلاك المواطن العربي لاسيما  عندما  يكون  التبادل  التجاري  غير  متوازي  بين  الطرفين  و لا  يخضع  لقوانين  التجارية  و  الاقتصادية  الاجتماعية  ، و  هذا  الامر  يفسر  أنها  بينما  انحصر تغريب  العرب في النصف  الأول من القرن  التاسع  عشر  في  نطاق  ضيق  و  محدود  و انحصر  في عهد  ” محمد على  ”  في  تغريب  طرق  الانتاج  فقد  امتد التغريب  في  النصف  الثاني  من  القرن  التاسع  عشر  إلى مختلف العادات  و التقاليد  الاستهلاكية  و  القيم  الاجتماعية و الحركة الثقافية ذاتها مما  نتج  عنه  الاعتراف  بالتفوق  في ميدان  التكنولوجي  و طرق الانتاج و يعدّ  تسليم ضعيف  بمدى تفوق  القيم  الأوروبية  على القيم الاسلامية  و  قد  أقر  ” رفاعة  الطهطاوي  ”  بالأولى  و لكنه  كان  له  تحفظات  على  الثانية  ،  و  قد  كتب  ”  قاسم  أمين  ”  سنة  1900  أن  أوروبا  متفوقة  في  كافة  الأشياء  و  ينبغي  أدراك  أن  الأوروبيين أفضل من  المصريين  و البلاد  العربية  من  الناحية  المادية  و روحياً و أخلاقياً  و ليس  كما  يعتقد  البعض  بأن  المصريين  و البلاد العربية  أفضل  منهم  روحياً  و أخلاقياً  ،       و يمكننا  تفسير  ذلك  بأن  المصريين  و  البلاد  العربية  آنذاك  ابتعدوا  عن  تطبيق  العادات  و التقاليد  العربية  و التقيد بالقيم  الاجتماعية كما  يحصل  الان  في  معظم  البلاد  العربية  مما  أدى  إلى فقدان  العديد  الأخلاق الاجتماعية و عدم  معرفة العادات و التقاليد  العربية و  تفريغ  الذات  الإنسانية العربية  من الروح  الأخلاقية  العربية مما دفع ” قاسم  أمين  ”  إلى  وصفهم  بهذا  و  السبب  الأساسي  هو  التبادل  التجاري  الغير  متوازي  كما  اسلفنا  الاشارة  اعلاه  .

  • أوضاع  البلاد  العربية  خلال  القرن  العشرين  :

بدأت البلاد العربية  خلال  النصف  الثاني من  القرن  التاسع عشر  تتجه  نحو اشباع  حاجات  السوق المحلية ثم  تحولت  إلى الانتاج  بهدف  التصدير و اتجاه  الاستثمار  إلى  تنمية  انتاج  المواد  الأولية  التي  تتطلبها  المصانع  الأوروبية  و إقامة المشروعات  العامة  التي  تخدم تجارة التصدير و الاستيراد ،  و أصبح البنيان الاقتصادي في مصر و سوريا  و  السودان  و الأردن  و اليمن  الشمالي  مع  بداية  عقد  السبعينات  من  القرن  العشرين  يتجه  بشكل  متزايداً نحو انتاج  سلع و خدمات التصدير  و بدأت الاستثمارات  تتحول  من  الانتاج  الزراعي  و الصناعي  الذي  يتجه من  أجل  اشباع  السوق  المحلية  إلى  فروع  الانتاج  التي  تتجه  نحو الأسواق الخارجية و مشروعات  البنية  الأساسية  التي  ترتكز  على  خدمة  هذه  الفروع  أن التغير في البنيان الاقتصادي كان  لايزال  في  سنواته  الأولى  إلا  أن  معالمه  بدأت  تتضح  لاسيما  في  الاقتصاد  المصري  الذي  ظهر  بشكل  واضح  نظراً  لشدة  المفارقة  بين  سياسة  الانغلاق  و سياسة  الانفتاح  الاقتصادي  ، و  قد  ازداد  نصيب  قطاع الخدمات  في  اجمالي  الاستثمارات  في مصر إلى  الزيادة خلال  الفترة الممتدة بين  71-1975 م مقارنة  بفترة  الخطة  الخمسية الأولى من  59-1960  إلى  64-1965 م بينما  انخفاض  القطاع  الزراعي ،  و قد  اتسمت  الفترة  من  59-1960  إلى  64-1965 م بدرجة  ملحوظة  من  الثبات  في  نصيب القطاعات  السلعية  من  الناتج  المحلي  الاجمالي  ،  و  أوضح  هذا  النصيب  في  عقد  السبعينات  من  القرن  العشرين  ميل  إلى  التدهور  لصالح  الخدمات  ،  كما  لا  يمكن  فصل  تراجع  النمو في  القطاعات  السلعية  عن  سياسة  الانفتاح  الاقتصادي  نظراً  لان  فتح  باب  الاستيراد أدى إلى اتاحة المجال للسلع المستوردة بمنافسة  الصناعات  الوطنية  في  القطاعين  العام  و الخاص من الأمثلة  الصناعات  الغذائية  و الأقمشة و الورق و  صرف المستثمر  الفردي عن  القطاعات الانتاجية  بغرض الاستثمار في التجارة و أعمال  الوساطة  بمختلف  أنواعها و بالمقابل  لم يتم تعويض استثمارات  القطاع  العام  ذلك  النقص مما  أدى  إلى  انخفض معدل النمو أو  أصبح  سالباً  احيانا  في  الفترة  الممتدة  بين  72-1975 م  في  العديد  من  الصناعات  الأساسية  و  تراجع  الاستثمار  في  القطاع  الزراعي  إلى  الانخفاض  في  معدل  النمو  من  الناتج  الزراعي  في  النصف  الأول  من  عقد  السبعينات  بالمقارنة  بمعدل  النمو  في  سنوات  الخطة  الأولى  في  النصف  الأول  من  عقد  الستينات  من  القرن  العشرين  مع  انخفض  معدل  التوسع  الأفقي  في  الأراضي  الزراعية  منذ  منتصف  عقد  الستينات من  القرن  العشرين  حيث  تم  اضافة  إلى  الرقعة  الزراعية  خلال  الخمس  سنوات  65-1970 ،  269  ألف  فدان  مقارنة  بـــ  536  ألف  فدان  ،  خلال  خمس  السنوات  السابقة  61-1965 م توقفت  الحكومة  حسب  تعبير  وزير الري  في  سنة  1976 م عن  القيام  بتمويل  مشروعات جديدة من اجل التوسع الأفقي  نظراً  لأنها  مشروعات  لا  تنتج  عوائد بل  تشكل  عبء عن  الدولة  و  قد  بلغت  المساحة  المقتطعة  من  الأراضي  الزراعية  خلال  العشر السنوات  68-1978  حوالي  700  ألف  فدان ([2])  نظراً  لتوسع  العمراني و الصناعي ، و  اسفر  التراجع  في  نمو  بعض  الصناعات  الأساسية  و الانتاج  الزراعي إلى  تراجع  معدل  النمو  في  الصادرات  التقليدية  و  ازدياد  الاتجاه  نحو  الاستيراد  مما  ادى  إلى  زيادة  العجز  في  الميزان  التجاري  بصورة  ملحوظة  . و  في  سنة  1975 م  بلغت  نسبة  العجز  في  ميزان  المعاملات  الجارية  أكثر من  خمس  الناتج  المحلي  الاجمالي  بدأت  الحكومة  في  محاولة  لإيجاد  الحلول  المناسبة  حيث  تمكنت  من  تحقيق  النجاح  في  سنة 1976 م  في  تحقيق  العجز  بنسبة  39% ([3]) ،  نظراً  لمجموعة  من الأسباب  ، و هي  :

  • الايرادات التي  تم  الحصول  عليها  من  إعادة  فتح  قناة  السويس  في  شهر  يونيو  سنة  1975 م  .
  • مدى  ازدهار  مجال  السياحة  .
  • زيادة  نسبة  تحويلات  المصريين  العاملين  في  الخارج  .
  • استعادة بترول  سيناء  في  شهر  نوفمبر  سنة  1975 م  .

و  قد  اثناء  كل من  تقارير  البنك  الدولي  و  الحكومة  المصرية  بإمكانية  القضاء  على  ذلك  العجز  مع  بداية  عقد  الثمانينات  من  القرن  العشرين  نظراً  لاستمرارية  الأسباب  المذكورة  اعلاه  مع  الزيادة  المتوقعة  في  الاستثمارات  الأجنبية  الخاصة  ، و هذا  يبين  أن  الاقتصاد المصري أصبح اقتصاداً  تابعاً  من خلال اعتمادها على تصدير  الخدمات و  المواد  الأولية بدلاً  من  السلع  الزراعية  و الصناعية  و على  رؤوس  الأموال  الأجنبية  بدلاً  من  الاعتماد  على المدخرات  المحلية ، و الجدير  بالذكر هناك  اتجاهاً  مماثلاً  لتطور  البينان  الاقتصادي في  كل  من  سوريا  و السودان  و  الأردن و اليمن  الشمالي رغم  مدى اختلاف  هذه الدول  في سرعته  ،  علماً  أن هذا  الاتجاه  في بعض  الدول و خصوصا  الأردن  لا  يعدّ  اتجاه  مضاداً  لسياسة اقتصادية  سابقة  كما  هو  الحال  في  مصر  و سوريا  و بدرجة  أقل  من  السودان  و اليمن  الشمالي  بل  يعدّ  استمراراً  و  لكن  بسرعة  أكبر  في  ذات  الاتجاه  السابق  ، حيث  تم  التركيز  في  سوريا  على  انتاج  النفط  و  الفوسفات  و  في  الأردن  على  انتاج  الفوسفات  و البوتاس و في  السودان و اليمن  الشمالي  على  زيادة  نسبة  الانتاج  الزراعي  بهدف  التصدير  و تم  منح الأولوية  الأولى من  اجل  زيادة  إيرادات  السياحة

 

و تحويلات  العاملين  في  الخارج و ازدياد  درجة  الاعتماد  على  تمويل  الاستثمارات  في  هذه المجالات و ليس على زيادة المدخرات  المحلية  بل على القروض و المعونات  الأجنبية  .

و بناء على ما سبق  نلاحظ  مدى التشابه  بين  ما  يحدث  في  البلاد  العربية  في  النصف  الثاني  من  عقد  السبعينات  من  القرن  العشرين  و بين  ما حدث مع  منتصف  القرن  التاسع  عشر  حيث  ازدادت  أعباء  القروض  الخارجية  و  تتابعت  العجز عن سدادها  بحجة  فرض الوصاية الأجنبية على  السياسة  الاقتصادية  المصرية  خلال  الربع  الأخير من  القرن  التاسع  عشر ، فقد  اتخذت القروض و المعونات  الأجنبية  للبلاد  العربية  ذات  الاقتصاد  المغلق  وسيلة لإجبارها  على  اتباع  سياسة  الانفتاح الاقتصادي  ،  و  بينما  كان  التدخل  في  القرن  التاسع عشر من خلال  استخدام  القوة  الذي  تتمحور  حول  اخضاع  المالية المصرية  لرقابة  الدولتين  العظميين  اخضاعاً  بشكل  مباشراً  مقارنة  بالتدخل  في  عقد  الستينات  من  القرن  العشرين  تجلي  في  تقديم  النصح  الذي لا  يؤدي  إلى  ترشيد  السياسة  الاقتصادية  و  تقويم  و تصحيح الأخطاء  فيها  نظراً  لاستخدام  الولايات  المتحدة  الأمريكية  صندوق  النقد  الدولي  بشكل  لا  يخدم  المصالح  و  الأهداف  الاقتصادية  لدولة  معينة  أو  لمجموعة  من  الدول  كوسيلة بغرض تطبيق اجراءات تحرير التجارة الخارجية و  نظام  الصرف  و  إلغاء  المعوقات  التي  تشكل عائق  في  طريق  قوى السوق  الحرة  و  إمام  الاستثمارات  الأجنبية  الخاصة  نظراً لأنها أصبح القبول بإرشادات  صندوق  النقد  الدولي هو شرط  استمرار المعونات  التي تقدمها الولايات المتحدة الأمريكية و الدول الغربية و البنك الدولي  للأنشاء و التعمير و سائر المؤسسات الدولية ، و اخيراً نجد أن معظم مبعوثو الحكومات العربية إلى ” واشنطن ” خلال  فترة اللاسلم  و اللاحرب  كانوا  يعودون إدراجهم مع  رسائل  إلى  حكوماتهم تتركز  حول أن اتاحة المجال لرؤوس الأموال  الغربية و الأخذ  بنصائح  الصندوق  النقد الدولي التقليدية  سوف يتيح  المجال  إمام  الولايات  المتحدة  الأمريكية  استخدام  نفوذها  بهدف  احلال  السلام  و الأمن  في  منطقة  الشرق  الأوسط  و المنطقة  العربية  .

  • مدى تأثير  المتغيرات  السياسية  و الاقتصادية  على  الاقتصاد  العربي  :

أن قوة  ممارسة  الضغوطات  الخارجية  ادت  إلى  تحطيم  المحاولة  الأولى  لبناء صناعة  حديثة  في منتصف القرن التاسع عشر إلا أن تراجع و تضاؤل  قوة  ممارسة  هذه  الضغوطات  الناتجة عن  مدى  انخفاض  الدخل  و  القدرة  على  التصدير  و  الاستيراد  في  الدول  الغربية  هو  الذي اتاح  المجال  إلى  مجموعة  من  البلاد  العربية و هي  مصر  و  فلسطين  و  سوريا  و العراق القيام بالمحاولة من جديد  حيث  تمكنت  من  استرداد  حريتها  في  فرض  التعريفات  الجمركية الحمائية مع بداية عقد الثلاثينات  من  القرن  العشرين  كتفسير  و  توضيح  للنهضة  الصناعية التي تمكنت  من  تحقيقها  خلال  هذه  الفترة  .  أن  الظروف  الاقتصادية  و  المالية  المحيطة بالاقتصاد  العربي  هي  التي  اتاحت  للنهضة  الصناعية  للبلاد  العربية  خلال  الفترة  المذكورة  ، و أفضل  دليل  على  ذلك  عند وجود درجة  أكبر  من  الاستقلال  السياسي  و  العسكري  تم  اجبار مصر و سوريا على إلغاء  ما  كانت  تتمتع  به  صناعاته من  حماية  نظراً  لمرحلة  التوسع  و الازدهار  لصناعات  أوروبا و بالتالي عندما مرت  أوروبا  بمرحلة  الركود  و الانكماش عادت  الحيوية  و النشاط  إلى  الصناعة العربية  ،  نذكر  على  سبيل  المثال  منذ  اقراراً مبدأ القومية الاقتصادية في كل بلد  عربي  على  حدة  بينما  سادت  القومية  الاقتصادية  في  أوروبا  حيث  بدأت  الحرب  التجارية بين  الدول  الأوروبية  بالمقابل  فرضت  كل  دولة  عربية  الحماية  لمنتجاتها  الصناعية  ضد  منتجات  الدول  العربية  الأخرى  لاسيما  الخاضعة  لدولة  أجنبية  مختلفة  و  قامت صناعات  متشابهة  في  البلاد  العربية  دون  أية  محاولة  من  اجل تحقيق التكامل بين  الصناعات  الجديدة  أو  تحقيق  الاستفادة  الأمثل  من  اتساع  السوق  العربية إمام كل  بلد  عربي  ، و  قامت  في  مصر  شركات  بنك  مصر  بنشاط  صناعي  كبير  حيث  تمكنت  من  إقامة  محالج  القطن  و  مصانع  النسيج  إلى  صناعة  الملابس  و  الأحذية  و  المنتجات  الجلدية  و السجاد  و الورق  إلى  تكوين  شركات  الملاحة  النهرية  و البحرية  و التأمين و غير ذلك  ، و تمكنت مصر من  تحقيق  درجة  عالية من الاكتفاء الذاتي  و  شهدت  فلسطين و سوريا  و لبنان و العراق حين ذاك  ازدهاراً  بدرجة مماثلة  في  الصناعات  ذاتها  ،  ربما  عدم  تمكن  البلاد العربية  من  تحقيق  التكامل  بين  الصناعات  العربية  و اتساع  رقعة  السوق  العربية  هو عدم  تقيد  البلاد  العربية  بالقوانين  التجارية  و الاقتصادية  و تطبيق مبدأ الاستمرارية  و عدم البحث على  الوسائل  المناسبة  لتصوير  الشخصية  العربية  و  عدم  ربط  التطور  و  البناء  في  البلاد  العربية  بنجاح  أو  ركود  الآخر  سواء  أكان  في  أوروبا  أو الولايات  المتحدة  الأمريكية  أو غير  ذلك  من  دول  العالم  بل  ينبغي  التركيز  على  الذات  العربية  في  كافة  المجالات  و  التخطيط  لكيفية  التعامل  مع  الآخر  في  كافة  الحالات  سواء  أكان  في مرحلة  النجاح و التوسع أو الركود  و  الانكماش  في  ظل  الأخذ  و تطبيق  القوانين  التجارية و  الاقتصادية  .

و  في  ظل  المقارنة  التجارة  بين  البلاد  العربية  مع  نهاية  عقد  الثلاثينات  من  القرن  العشرين  بما  كانت  عليه  قبل  أنهاء  الدولة  العثمانية  ،  كانت  كافة  الدول  العربية  عدا  المغرب  خاضعة  لحكم  الامبراطورية  العثمانية  و الجزائر التي  تم  احتلالها  سنة  1830 م  حيث  تشكل  آنذاك اتحاداً  جمركياً  واحد  حيث  تدفقت  فيه  السلع  بين  بلد عربي و آخر  دون قيد ، و تواجه جميع الدول الأوروبية التعريفة الجمركية  الموحدة  تحددها  الاتفاقيات  التجارية التي يقوم  بعقدها  الباب  العالي  ” مركز الحكم  في الدولة العثمانية  ” اسطنبول  ”  1065-1465 ” و كانت  في  السنوات  السابقة  للحرب  العالمية  الأولى مباشرة  كان ما  لا يقل  عن  45%  من الصادرات  السورية  يذهب إلى أجزاء أخرى من الامبراطورية العثمانية  ، و كان  نصف  هذا  القدر  يذهب  لمصر  وحدها  .  و  بينما  كان  نحو  20%  من  اجمالي  واردات  مصر  في  1910  يأتي  من البلاد  العربية  الأخرى عدا  السودان  ،  انخفضت  هذه  النسبة  إلى أقل  من  3%  في 1939  ([4]) ، و يرجع  ذلك  إلى  مدى  انشغل  الحركة السياسية  خلال  هذه الفترة بالكفاح الذي يقوم  بخوضه  كل  قطر  عربي  على  حدة  من  اجل  كسب  الاستقلال  السياسي ، و على أثر  ذلك  بدأت  تتبلور  فكرة  تحقيق  نوع  من  الوحدة  بين  البلاد  العربية  غير جديرة  بالاهتمام منحها  الأولوية العالية  في اطار  خضوع  عام  كل  دولة  عربية  لدولة  أجنبية  و قد  ساعد  على  استمرارية  هذا  الشعور  تحقيق  كل  دولة عربية لمكاسب  جزئية  في  الاستقلال  السياسي  أهمها  أصبح  لكل  دولة  عربية  على  حدة  راية  و نشيد  وطني       و برلمان و دستور و جيش و بدأت تترسخ رؤية  بأن  لكل  دولة  عربية  سماتها  و مميزاتها  الخاصة التي  تميزها  عن  سائر  البلاد  و  ازدادت  قوة  هذه  الرؤية  بعض  الكشوف  الأثرية

التي منحت  لكل جزء  جغرافي من  العالم  العربي  تاريخاً  خاصاً  به  بصورة  سابقة  على  تاريخ  الدولة  العربية  الواحدة  ،  إلا  أن  بروز  خطر  الهجرة  اليهودية  إلى  فلسطين  الذي  بث  الشعور للأمة  العربية  بتعرض  الأمة  العربية  لخطر  مشترك  قد  ازداد  الامر  سوء  مع  عدم  حصول  كل  دولة  عربية  على  الاستقلال  السياسي  من  التعبير  بجدية  عن  الشعور  بذلك  الخطر الحقيقي و كيفية  التصدي  لها  ناهيك على  أن  معظم  مشروعات  الاندماج  التي  لحقت  بالبلاد  العربية  خلال  الفترة  الممتدة  من اندلاع  الحرب  العالمية  الأولى  إلى  نهاية  الحرب العالمية الثانية  ،  نذكر  أهمها  دعوة  ”  الشريف  حسين  ”  إلى  إقامة دولة  عربية  كبرى قبل الحرب العالمية الأولى و أثنائها تعدّ فكرة بريطانية تهدف إلى  محاربة  الامبراطورية  العثمانية من الداخل  و اندثرت الفكرة  عندما  تم  تحقيق  الهدف  الوحيد  منها  و هو هزيمة  الدولة العثمانية  في  الحرب  نظراً  لان  نجاح  أو  فشل  المشروعات  الأوروبية  يتوقف  على ما تطلبت الدول الكبرى ، أما  مشروع  سوريا  الكبرى  الذي  دعا  إليه  الملك  ”  عبد الله  ”  من  اجل  توحيد  سوريا  و  فلسطين  و شرق  الأردن و مشروع  الهلال  الخطيب  الذي دعا  إليه ” نوري السعيد  ”  بهدف  توحيد  العراق  و شرق  الأردن  و سوريا  ، و يعدّ  كلاهما  مشروعين  بريطانيين يستهدفان  زيادة  درجة  فعالية  جيوش  الحلفاء ضد  النازية  و توقفت  الدعوة  إلى  كل  منهما  بانتهاء  الحاجة  إليه  ،  و  فكرة  إقامة  جامعة الدول  العربية  بتاريخ  22/3/1945 م  تعدّ  فكرة  بريطانية  طرحها  ”  أنتوني إيدن  ” كمحاولة  بغرض الاحتفاظ  بالنفوذ البريطاني في المنطقة  خلال اطول  فترة  ممكنة  بعد انتهاء  الحرب  العالمية  الثانية  ،  و الجدير  بالقول  ،  أن  المحاولة  الوحيدة  حققت  ”  اندماج  عربي  ”  آبان  هذه  الفترة  تم  تحقيقها عندما كان  الاندماج  الحقيقي  في  صالح  الدول  الكبرى  و عندما  فرضت  الظروف  السياسية و الاقتصادية الناتجة  عن  الحرب  العالمية  الثانية  تم  تحقيق  أكبر  قدر من  درجة  الاكتفاء  الذاتي  بين  دول  الشرق  الأوسط  بهدف  التقليل  من  الاستيراد  و ضغط  النفقات  النقل إلى الحد  الأدنى  و  تم  أنشاء  مركز  تموين  الشرق  الأوسط  خلال  سنة 1941 م  من  اجل  تحقيق  وحدة  اقتصادية  حقيقية  بين  جميع  البلاد  العربية  عدا دول  المغرب  العربي  اضافة إلى مجموعة  من  الدول  الشرق  أوسطية  بغرض  القيام  بتخطيط  للإنتاج  و التوزيع  على  درجة  عالية  من  الجدية  بهدف  الانتاج  و  التوزيع  و تجنب  ظهور  عجز  في  مادة  أساسية  في  دولة  يمكن  سده  من  انتاج  دولة  أخرى  من  بين  الدول  الأعضاء  فيه حيث  تم  انخفاض نسبة واردات  أعضائه  خلال  سنة  1944 م إلى ربع ما  كانت  عليه  قبل  الحرب  العالمية الثانية  ، و بعد انتهاءها  تم إلغاء المركز و عادت  الدول  العربية  إلى ما   كانت  تقوم  بممارسته  قبل  فرض  القيود  التجارية  بين بعضها  البعض  .

أن  فكرة  إقامة  دولة عربية  واحدة  في  كافة  صورها  و أشكالها  سواء  أكانت  فكرة  بريطانية أو نتيجة شعور عربي ينبغي  التفكير  في  أحياء  التراث  الفكري و الثقافي  العربي  و  الحضارة  العربية  و تطبيق  سياسات  الاصلاح  القانوني  و التشريعي  العربي  من  خلال  تفعيل الاتفاقيات السياسية  و  الاقتصادية  التي  عقدت  في  اطار  الجامعة  العربية  من  أهمها  اتفاقية الدفاع المشترك و  التعاون  الاقتصادي  بين  دول  الجامعة  العربية  و  اتفاقية  الوحدة  الاقتصادية  العربية  و  اتفاقية  السوق  العربية المشتركة و ميثاق  العمل  الاقتصادي  القومي  العربي بالتوازي مع  تفعيل  المعاهدة  الثقافية  العربية  التي  يتم  المطالبة  بتطبيق  بنودها  في مؤتمرات القمم العربية لاسيما التي عقدت في العقد  الأول  من  القرن  الحادي  و  العشرين

نظراً لأنها تؤكد على اصلاح و بناء الأنسان العربي و الأسرة العربية و بناء البنية التعليمية العربية نظراً لان هذه المعاهدة هي أساس نجاح كل الاتفاقيات السياسية                  و  الاقتصادية  على  المستويين  العربي  و  الدولي  مما  يتطلب  العمل  في خطيان  متوازياً  من  اجل كسب الوقت و القدرة  على  اصلاح و بناء  الانسان العربي و البلاد  العربية   و إقامة علاقات  ثقافية و اقتصادية مع  دول  العالم  و عدم  التفكير في  الاثار  المترتبة من  الحقبة  الاستعمارية بل التركيز على كيفية  احتلال  مكانة مرقومة في التعاون  الثقافي  و  الاقتصادي  الدولي و أحد وسائلها الأساسية هو تطبيق القوانين التجارية و الاقتصادية و  تفعيل الاتفاقيات  المذكورة  انفا  و  تطبيق  سياسات  الاصلاح  الشامل  .

  • النظام الاقتصادي  العربي  الجديد  : 

تميز النمو الاقتصادي و العلاقات  الاقتصادية  العربية  خلال  العشر  السنوات  الأولى  بعد  انتهاء  الحرب  العالمية  الثانية  45-1955 م عن  السنوات  السابقة  للحرب  بشكل  واضح  نظراً لان السياسة الاقتصادية العربية كانت امتداد  لسنوات ما  قبل الحرب  و استمرت  حركة  التصنيع التي في  مصر و سوريا  و لبنان  و العراق  مع  بداية  عقد  الثلاثينات  من  القرن  العشرين  مدفوعة  بقوة  نظراً  لانقطاع  الاستيراد  و  تراكم  المدخرات  و  الأرباح  أثناء  سنوات الحرب  العالمية  الثانية  و نظراً  لمدى انشغل  أوروبا  في  إعادة  بناء  اقتصادها  لاسيما مع قلة  المتاح  من  فائض  التصدير  ،  إلا  أنها  لم  يحدث  تغير  في  الهيكل  الانتاجي  لأي بلد  عربي حيث  بلغت  أعلى  نسبة  للإنتاج  الصناعي  في  اجمالي  الناتج  القومي  لا  تزيد  على  12%  في منتصف  الخمسينيات ([5]) ،  مع  استمرارية  اتجاه  الجزء  الأكبر من  المواد الأولية إلى التصدير إلى أسواق  أوروبا  و ليس إلى  بناء  الصناعة  الوطنية  و  أفضل  دليل على ذلك  لم  تعرف  ليبيا أو السودان أو بلاد النفط  في الجزيرة العربية  تقدماً  صناعياً  ،  و استمرت ليبيا و الأردن تعتمدان  في  تمويل  الجزء  الأكبر  من استهلاكهما  على  المعونات  البريطانية و الأمريكية  ، و انتهجت  بلاد  النفط  العربية  إلى  منتصف  عقد  الخمسينيات  من  القرن العشرين  سياسة عدم  التفريق  بين  خزانة  الحاكم  الخاضعة  و ميزانية  الدولة  و تم  تبديد معظم عوائد النفط على  الاستهلاك  الخاص  للأسر الحاكمة و  انتشرت  في  جميع  إنحاء البلاد  العربية  سياسة  الاعتماد على  النشاط  الخاص  و نسبة  اقل  حدة  من  تدخل  الدولة  في النشاط  الاقتصادي  و لم  يتم اتخاذ  خطوات  حاسمة في  أي  بلد  عربي  من  خلال  إعادة  توزيع  الدخل  بما  في  ذلك  مصر  التي  تبنت  حكومة  الثورة  خلال  السنوات  الأربعة  مبدأ  الاعتماد على  القطاع  الخاص  في تحقيق التنمية دون  تحقيق  نجاح  يذكر  كما  لم  يتم  اتخاذ اجراءات إعادة توزيع  الدخل  إلا إصدار قانون بسيطة أو مبدئي  للإصلاح الزراعي و  انشغلت  حكومات الدول  العربية  آنذاك تكرار  شعارات  الوحدة  العربية و  لكن  هذه  الشعارات  كانت  مجرد محاولات من اجل خداع  الرأي  العام  العربي  على المستويين  السياسي  و  الاقتصادي  و كان  تضامن الجيوش العربية  مع  الفلسطينيين  في  حرب  1947-1948 م مجرد  استجابة مظهرية  للشعور العام  نظراً  لعقد  الاتفاقيات  التجارية  التفضيلية  خلال  هذه  الفترة  بين  بلد عربي و آخر دون أن  يؤدي  إلى  زيادة  تذكر  في  حجم  التجارة  العربية  و اقتصرت  هذه  الاتفاقات على الأعضاء  من  الرسوم  الجمركية  على  السلع  الزراعية  التي  كانت   إما معفاة  من هذه  الرسوم  قبل  الاتفاقية  أو  كانت  تخضع  لرسوم  منخفضة  و  تم  إلحاقها  بالاتفاقات محلقات تتضمن قوائم طويلة للسلع المستثناة من تطبيقها  و لم  تتعرض الاتفاقات عادة  لإلغاء  القيود  الكمية  على  التجارة  أو على  القيود  المفروضة  على  تحويل  العملات  و عند إقامة دولة إسرائيل  فقدت  البلاد  العربة  أهم  محور  أساسي  في  العلاقات  الاقتصادية  العربية  نظراً لانقطع الاتصال البري  بين  مصر  و دول  الهلال  الخصيب  ،  مما  يوضح  عدم  ازدياد  حجم التجارة  بين مصر  و سوريا  و الأردن  و العراق  في  منتصف  الخمسينيات  على  5%  من  اجمالي  حجم  تجارتها  ،  فيما  يتعلق  بالصادرات  ،  و على  3.5%  للواردات ([6])  بل  كان  حجم  التجارة  بين  الدول  العربية  خلال  منتصف  الخمسينيات  أقل  مما  كان  عليه  قبل  الحرب العالمية الأولى ،  السؤال  الذي  يطرح  لماذا  تم  استمرارية  الاعتماد  على  النفط  في  بناء و أعمار  الدول  العربية  و عدم  البحث عن وسائل  أخرى ذات  أهمية  في  بناء  و  تشيد  و أعمار الدول العربية منها  الاصلاح  الاقتصادي  في  مختلف  مجالاتها  من  أهمها  الاصلاح  الزراعي و  الحيواني  و الصناعي  ،  مع  تطبيق  سياسات  الاصلاح  لتنمية  القطاع  التراثي  و السياحي من  خلال  اكتشاف الأماكن  التراثية  الجديدة ، و محاولة  جعل  الشعارات  العربية  مقترنة  بالواقع  بهدف  كسب  المصداقية  عند  الرأي  العام  العربي  في  كافة  المجالات  .

إما  الفترة  الممتدة  1955-1965 م تميزت هذه الحقبة  من السنوات  العشر  بقيام  العديد  من الحركات  الاستقلالية  في معظم  البلاد  العربية  و  تتميز  العشر  السنوات  بأنها  مشابهة  بالعقود الأربعة الأولى من  القرن التاسع عشر و بكل ما تحقق  خلال  هذه  الفترة  من  مكاسب و انجازات  و الآمال  التي  تبعث  في  نفوس العرب  مدى  تأثير  التغيرات  التي  طرأت  على  الظروف الدولية و الاستراتيجية و الاقتصادية  التي اتاحت  المجال  لقيام مثل  هذه  الحركات ،  و يمكننا  دراسة  هذه  الفترة  من  خلال محورين  أساسيين  هما  :

المحور الأول : من  الناحية  السياسية  :

تتجلي تغير الظروف الاستراتيجية في العلاقة بين المعسكرين بحيث  حل  نظام  الصواريخ  العابرة  للقارات  و الغواصات الحاملة  لصواريخ  ”  بولاريس  ”  في أعالي  البحار  محل  نظام  الصواريخ  متوسطة  المدى  باعتباره  الرادع  الأمريكي الأساسي  الجديد  و  لم يعدّ  من  الاعتبارات  الحيوية  ربط  دول  الشرق  الأوسط  بتحالف  عسكري  مع  الغرب  و غير  ذلك  ، و بصرف  النظر عن مدى صحة  القول  بأن  مهاجمة مصر لحلف  بغداد  سنة  1954-1955 م كانت  نتيجة لمدى تأثير  الولايات المتحدة  الأمريكية  على  النظام  الجديد  في  مصر  نظراً لأنها  كان حلف  بريطانيا  بدرجة واضحة  ناهيك  إلى أن ربط العراق  و  تركيا  و إيران  بحاف  الاطلنطي من  خلال  منظمة  الحلف  المركزي أو  حلف  بغداد  ناتج  عنه  فقدان  أهميته ، كما  لم  يتم  بذل  محاولة  جدية  من  اجل  ربط  دولة  عربية  أخرى  به  ، أما  فيما  يتعلق بمبدأ ” ايزنهاور ”  الذي  تم  الاعلان عنه  في اعقاب  حرب السويس  الذي  وصف  الوضع المترتب  على  انتهاء  حالة  الاستعمار  البريطاني  و  الغربي  بأنه  فراغ  يتطلب  ملء

الفراغ من قبل الولايات المتحدة الأمريكية حيث تم مهاجمته من قبل  ” جمال عبد الناصر ”  بعنف مماثل  لعنف الهجوم على حلف  بغداد و لكنها  لم  يكن  أكثر  من  امتداد  لسياسة  عصر  مضى ، و مع  مرور الوقت  ، و مع مرور  الوقت  اندثار و اعلان مبدأ  ايزنهاور ، و  تم  انزل  القوات  الأمريكية  على  أرض  لبنان  في  صيف  سنة  1958 م  و  انسحابها  السريع  يعدّان  آخر أجراء  من  هذا  النوع  تقوم  باتخاذه  الولايات  المتحدة  الأمريكية  ضد  الحركة  الوطنية  العربية  إلى  منتصف عقد  الستينات  ، و  الجدير  بالقول  ،  لم  يتم  اللجوء إلى  استخدام  إسرائيل من اجل شن هجوم على البلاد العربية  إلى  سنة  1967 م  ،  و قد  أعلن  الرئيس  الأمريكي  ”  دوايت  ايزنهاور  ” بعد  موافقة  الكونجرس  بتاريخ  5/1/1957 م  على  أثر  فشل  العدوان  الثلاثي على مصر  في  خريف  سنة  1956 م  و  هي  السياسة  التي  تهدف  إلى ملء الفراغ  الاستعماري الناتج  من هزيمة  بريطانيا و فرنسا المعنوية في حرب  السويس و هما دولتين  استعماريتين  أساسيتين و تم  فرض  النفوذ  الأمريكي  على  منطقة  الشرق الأوسط  لحد من امتداد الخطر الشيوعي و ارتكزت  هذه السياسة على  مجموعة  من  المحاور  الأساسية  ، و هي  :

  • حماية القوات الأمريكية  لأية  دولة  تتعرض  لعدوان  مسلح  من دولة  تابعة  لنفوذ  الشيوعي  .
  • تقديم المساعدة لدول منطقة الشرق الأوسط المتحالفة مع الولايات المتحدة  الأمريكية  في  زيادة  قوتها  الاقتصادية  .
  • منح مساعدات  عسكرية أمريكية  للدول  الشرق  أوسيطة  .

و قد ارتبطت دول  حلف  بغداد  بالولايات  المتحدة  الأمريكية  في  اطار معاهدات  رسمية  خلال  شهر يوليو لسنة  1958 م  و يعدّ ذلك  اعتراف علني بقيادة الولايات المتحدة  الأمريكية  للقوى  الاستعمارية  في  منطقة  الشرق  الأوسط  .

المحور الثاني :  من  الناحية  الاقتصادية  :

أن تراجع أهمية النفط العربي  بالنسبة  للسياسة  الأمريكية  آنذاك  مع  استمرارية  اعتماد  أوروبا  الغربية  على  نفط  الشرق  الأوسط  إلا  أن  هذه  الفترة  تميزت  بمدى  تضاؤل  مدى  الأهمية  النسبية  نظراً  لاتمام  أوروبا  لمرحلة  إعادة  التعمير و  ثقتها  باستمرار  تدفقه  إلى  أوروبا و تباعد  خطر  سيطرة  الاتحاد  السوفياتي  على  النفط  و تحول  سوق  النفط  من       ” سوق البائع ” إلى ” سوق المشتري ” من  خلال  اكتشاف  مصادر جديدة  للنفط  و مدى صعوبة تسويقه  خارج  أوروبا  الغربية  ،  و  في  ذات  الوقت  تراجعت  الأهمية  الاقتصادية  النسبية  للعالم  الثالث  لنمو  الاقتصاد الغربي  نظراً  لمدى تأثير مجموعة من العوامل  الجديدة  التي طرأت على  الاقتصاد  الأمريكي  و  اقتصاديات  أوروبا  الغربية  من  ناحية  و  نظراً  لان  نهضة الاقتصاد الأوروبي اتاحت  المجال  لوجود  العديد  من  الفرص  المجزية  بهدف  تصدير  السلع الأمريكية إلى أوروبا و  بغرض  استثمارات  رؤوس  الأموال  الأمريكية  في  الصناعات  الأوروبية  من  ناحية  ثانية  ،  و  نتج  عن  إقامة  السوق  الأوروبية  المشتركة سنة 1958 م  التي  كان  للولايات  المتحدة  دوراً  اساسياً  في  تكوينها  إلى  أنشاء  سوق  واسعة  إمام  هذه  الاستثمارات  دون الحاجة  إلى  إقامة  مشروعات  متعددة  داخل  كل  دولة  أوروبية  ،

و قد تعرض  الاقتصاد  الأمريكي  لمنافسة  السوق  الأوروبية  و  بدأ  يتلاشي  ذلك  الخطر  مع نهاية عقد الخمسينيات من القرن  العشرين  في  اطار  هيمنة  الاقتصاد  الأمريكي  و مركز  الدولار القوي آنذاك  حيث زاد حجم الاستثمارات الأمريكية المباشرة في دول السوق  الأوروبية  المشتركة  بأكثر  من  الضعف  في  ستين  (  من  400  دولار  في  1959  إلى  850  مليون في 1961 )  و بلغت الصادرات  الأمريكية  إلى  دول  السوق  في  نهاية  الستينات  نحو  ثلاثة  أمثال  ما كانت عليه في  نهاية  الخمسينيات  ([7])،  و قد  رافق  هذه  الزيادة  في  مدى  أهمية  السوق  الأوروبية  كمجال  للاستثمار  و التجارة  و مدى الانخفاض  في التجارة  و الاستثمار  في المواد الأولية التي تنتجها  دول  العالم  الثالث  نظراً  لانتعاش  الانتاج  الزراعي  في الدول  الصناعية المتقدمة  و زيادة  درجة  الحماية  التي  تمحنها  هذه  الدول  لإنتاجها  الزراعي  في  الدول  الصناعية  و مدى  زيادة  احلال  المواد  الصناعية  محل  المنتجات  الطبيعية  و كيفية  انخفاض حجم الاستثمارات  الجديدة  التي تقوم بها الدول  الصناعية  في العالم  الثالث و  اتجه  معدل التبادل الدولي  ضد  دول  العالم  الثالث  مع  ميل  اسعار  المواد  الأولية  إلى  الانخفاض  بالنسبة  لأسعار  المنتجات  الصناعية  من  104  في  1955 إلى 88  في 1965 ،  و  انخفض  نصيب  صادرات  دول  العالم  الثالث  إلى  الدول  الصناعية  في  اجمالي  التجارة الدولية  من  24%  في  1953  إلى  18.5%  في  1965  و  نصيب صادرات  الدول الصناعية إلى دول العالم  الثالث  من 22%  إلى  19%  ،  بينما  زاد  نصيب  صادرات  الدول  الصناعية  فيما  بينها  من  33%  إلى  46%  في  الفترة  نفسها ([8])   .

مما سبق  يتضح  ،  أن  تراجع  الضغط  الخارجي  على دول  العالم  الثالث  و مدى  ضعف  المصالح  و الأهداف  الاقتصادية  للدول  الصناعية  المتقدمة  في  دول  العالم  الثالث  ادى  إلى حركات  وطنية و تحقيق درجة ملحوظة  من  النجاح  في  الاستقلال السياسي ، مما  سبق  يتضح  ،  أن  تراجع  الضغط  الخارجي  على  دول  العالم  الثالث  و مدى  ضعف  المصالح  و  الأهداف الاقتصادية للدول الصناعية المتقدمة في دول  العالم  الثالث  ادى  إلى  حركات  وطنية  و تحقيق درجة ملحوظة من النجاح  في الاستقلال  السياسي و الاقتصادي ،  نذكر  أهمها  ،  بروز العديد من الزعماء الجدد مثل نهرو في  الهند و سوكارنو  في  اندونيسيا  و عبد الناصر  في مصر و بن  بيلا  في  الجزائر و  نيكروما  في  غانا  حيث  نادوا  بالتضامن  الأسيوي  الأفريقي و رفعوا  شعار الحياد  الإيجابي  ،  و أصبح  ”  عبد الناصر  ”  منذ  تأميمه  لقناة  السويس  سنة  1956 م  رمزاً  لنضال  دول  العالم  الثالث ضد  الاستعمار  و  انتهت  تبعية  العراق  للغرب  من  خلال  قيام  ثورة 1958 م  و  قامت  حكومة  ”  إبراهيم  عبود  ”  في  السودان  في  اعقاب  انقلاب  عسكري  في  ذات  السنة  و  حكومة  ”  فؤاد  شهاب  ”  في  لبنان في اعقاب حرب  أهلية  في  ذات  السنة  و تم  إقامة  منظمة  الأقطار  المصدرة  للنفط  سنة  1959 م  بهدف  منع  التدهور في  أسعاره ، و رفعت  كل من  مصر و سوريا  و  العراق  شعار الاشتراكية  حيث  تم  تأمين  القطاعات  الأساسية  في  الاقتصاد  القومي  و  اصدرت  كل من  سوريا  و العراق  قانونا للاصلاح  الزراعي  و خفضت  مصر  الحد  الأقصى  للملكية  الزراعية و انتهجت كل من  سوريا  و العراق  و مصر لأول  مرة  أسلوب  التخطيط  الشامل  للاقتصاد و تم  اقامت أسواراً جمركية عالية بهدف حماية  الصناعة  الوطنية  و فرضت  القيود  على حركات رؤوس  الأموال  و على  سوق  الصرف  الأجنبي  خصوصاً  ما  يتعلق  باستيراد  الكماليات  و خفضت من درجة اعتمادها في  التصدير و الاستيراد على  دول  الكتلة  الغربية  .

أن برامج التصنيع و الاصلاح الزراعي  في  سوريا  و  العراق  لم  تحظ  خلال  هذه  الفترة  بدرجة  عالية  من  النجاح  نظراً لعدم  تمتعها  بدرجة  معينة  من الاستقرار  السياسي رغم  أن قوانين الاصلاح الزراعي المصرية إلى  منتصف  عقد  الستينات  لم يؤد  إلى إعادة  توزيع  أكثر من  12%  من  اجمالي  الأراضي  الزراعية  إلا  أنها  قد  أمنت  مستأجري  الأراضي  الزراعية  على دخولهم  و  ارتفع  نصيب  الأجور  الزراعية  إلى  اجمالي  الدخل  الزراعي     و كانت  هناك  التجربة  الجادة  الوحيدة  الموحدة العربية  المتجهة  لخدمة  الاقتصاد  العربي  و ليس الأجنبي  نظراً  لاتحاد  مصر و سوريا  في الجمهورية  العربية  المتحدة  سنة  1958 م  و تم  اعفاء  التجارة  بين اقليمي الجمهورية الجديدة من معظم  القيود  التجارية  و  التعريفات  الجمركية و تم وضع خطتان خمسيتان  للاقليمين حدثت  التنسيق  بينها  نظراً  لازدياد  واردات  سوريا  من  مصر  بين  57-1958 م و  60-1961 م بأكثر  من  خمسة  أمثالها  حيث  عقدت  مصر  العديد  من  الاتفاقيات  التجارية  حيث  عقدت  مصر  اتفاقيتين  للتجارة  و  الدفع مع  سوريا  و  مع  معظم  البلاد  العربية  قضت  بتخفيض  أو  إلغاء  الرسوم  الجمركية  على  عدد  كبير  من  السلع  بين  عامي  1956-1957 م  ، و  اتفاقا  مع  لبنان  سنة  1956 م  و  مع  العراق  سنة  1958 م  و  ثلاثة  اتفاقات  مع  المملكة  العربية  السعودية  19955-1956-1958  ،  و  مع  ليبيا  سنة  1953-1956-1960  ، و  مع  تونس  سنة  1957-1962  ،    و مع المغرب  سنة  1958-1959  ، و  مع  السودان  سنة  1957-1959  ،  و  مع  الجزائر  سنة  1963 م  ،  و  توجت  هذه  الفترة  بإبرام  اتفاقية  الوحدة  الاقتصادية  العربية  عقدت  في  مدينة  القاهرة  بتاريخ  3ميونيو/1957 م  التي  تهدف  إلى  تحقيق  التكامل  الاقتصادي  العربي ، و  في  سنة  1960 م  تبنت  الجمهورية  العربية  المتحدة  الدعوة  إلى  تحقيق  وحدة اقتصادية  عربية  كاملة  و  خلال  سنة  1962 م  تم  أنشاء  مجلس  الوحدة  الاقتصادية  العربية  عملاً  بالفقرة  الأولى  من  المادة  الرابعة  من  اتفاقية  الوحدة  الاقتصادية  العربية  التي تقضي بتنفيذ هذه الاتفاقية على مراحل بما امكن  من  السرعة  اتفقت  الأطراف المتعاقدة  على ما  يأتي  : اولاً  ينشأ  مجلس  الوحدة  الاقتصادية  العربية  المنصوص  عليه  في  المادة  الثالثة  من  الاتفاقية المذكورة  خلال  المدة  المحددة  في  المادة  الثامنة  من  تلك  الاتفاقية  .  ثانياً يتولى هذه المجلس خلال  مرحلة  تمهيدية  لا  تجاوز  الخمس  سنوات  دراسة  الخطوات  اللازمة  لتنسيق  السياسة  الاقتصادية  و المالية  و  الاجتماعية  و  تحقيق  الأهداف  التالية  :

أ- حرية  انتقال الاشخاص و العمل  و الاستخدام  و الاقامة  و  التملك  و الايصاء  و الارث  .

ب- اطلاق حرية نقل البضائع و الترانزيت اطلاقاً  تاماً  بدون  قيد  أو شرط  أو تمييز  لواسطة  النقل  من  ناحية  نوعها  او  جنسيتها  .

ج- تسهيل  تبادل  البضائع  و  المنتجات  العربية  .

د- حرية ممارسة النشاط  الاقتصادي مع مراعاة عدم الاضرار بمصالح  بعض  بلدان  الأطراف  المتعاقدة  في  هذه  المرحلة  .

هـ- حرية استعمال المرافئ و المطارات المدنية بما  يضمن  تنشيطها  و ازدهارها  .  و يجوز  للمجلس  أن يوصي  حكومات  الأطراف  المتعاقدة  عند  الاقتضاء  بمد  هذه  المرحلة  لمدة  لا  تتجاوز خمس  سنوات  أخرى  ([9]) .

تم  الموافقة  على المجلس الاقتصادي في دور انعقاده العادي الرابع  بجلسته  الثالثة  بتاريخ  3/6/1957 ، و بتاريخ  13/8/1964 م  في مدينة القاهرة خلال  دور  الانعقاد  العادي  الثاني لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية  قرار  أنشاء  السوق العربية  المشتركة  التي  أكدت  على  تحقيق  مجموعة  الأسس  ، و  هي  :

  • حرية انتقال  الاشخاص  و رؤوس  الأموال  .
  • حرية تبادل  البضائع  و المنتوجات  الوطنية  و  الأجنبية  .
  • حرية الاقامة و العمل  و الاستخدام  و ممارسة  النشاط  الاقتصادي  .
  • حرية النقل و الترانزيت و استعمال  وسائل  النقل  و المرافئ  و  المطارات  المدنية  ([10])  .

و تم  إلغاء  كل  القيود  التجارية  و الرسوم  الجمركية  بين  الدول  العربية  الأطراف  ،  و  هي  مصر ، سوريا  ،  العراق  ،  الأردن  ،  الكويت  ،  و  تم  وضع  القرار موضع  التنفيذ  في  الدول  الأربع  التي  صادقت  عليه  باستثناء  الكويت  بتاريخ 1/1/1965 م  ، و  إذا كان  التطبيق  العملي  لقرار  السوق  العربية  المشتركة  لم  يتمكن  من  تحقيق  نجاح  كبير  رغم  بعض الزيادة  في  نصيب  التجارة  بين  الدول  الأطراف  في  اجمالي  تجارتها  سواء  أكان  من حيث قلة عدد الدول المنضمة إليها ، أو انسحاب بعض  الدول  التي  وقعتها  أو  استمرارية  الأطراف  فيها  في  تطبيق  قيود  الحصص  و  استثناء  عدد  كبير  من  السلع من  الخضوع  لها  ، و  يرجع  ذلك  إلى  مدى  تأثير  الظروف  السياسية  المحيطة  بالمنطقة  العربية  بعد  سنة  1965 م  التي  لعبت  دوراً  ذات  أهمية  ادت  إلى  فشل  و  عدم  نجاح  إقامة  السوق  العربية المشتركة  ،  و أن  بداية  تطبيق  السوق  العربية المشتركة  ارتبط  ببداية  الانحسار  الذي  لحق  فترة  عشر  السنوات  .

خلاصة  القول  :

أن هناك مجموعة  من  التغيرات  الدولية  أثرت  على  منطقة  الشرق  الأوسط  و  المنطقة  العربية أهمها التغيرات على نظام الدفاع العربي  و مدى الأهمية النسبية  للتجارة  و  الاستثمار  في المنطقة  العربية  و العالم  الثالث  بالنسبة  للاقتصاد  الأمريكي ،  كما  أن  المكاسب  التي  حققتها  حركة  القومية  العربية  للولايات  المتحدة  الأمريكية  من  خلال  تصفية  المستعمرات  البريطانية  و الفرنسية  في  الجزائر و لبنان و الأردن و جنوب  الجزيرة  العربية  ،  و العامل  الأساسى هو اتاحة المجال لاستمرار  التنافس  الحاد  بين  المعسكرين  في  دول  العالم  الثالث  أن  تستخدم  كلا  منهما  في  منع  وقوعها  فريسة  للأخرى مما  اتاح  المجال  لدولة  كمصر  الحصول  على  كميات  كبيرة  من  المعونات  الغذائية  الأمريكية  و  المعونات  السوفياتية  من  اجل بناء السد العالي و  تمويل  بعض  المشروعات  الصناعية  و في  ذات  الوقت  كانت  الحكومة  المصرية  تهاجم  كلا  المعسكرين  .

 

الاستاذة فاطمة  أحمد الثني ماجستير  علوم سياسية جامعة طرابلس سنة 2018-2019 م – دولة ليبيا  

 

[1] جلال  أحمد  امين  ،  المشرق  العربي  و  الغرب  :  بحث  في  دور  المؤثرات  الخارجية  في  تطور  النظام  الاقتصادي  العربي و العلاقات  الاقتصادية العربية  (  بيروت :مركز  دراسات  الوحدة  العربية  ،  1979  ) ، ص ، 31 .

[2] جلال  أحمد  امين  ،  المشرق  العربي  و  الغرب  :  بحث  في  دور  المؤثرات  الخارجية  في  تطور  النظام  الاقتصادي  العربي  و  العلاقات  الاقتصادية  العربية  ،  مرجع  سابق  ذكره  ، ص . 86 .

[3]– المرجع السابق ،ص .،89 .

[4] جلال  أحمد  امين  ،  المشرق  العربي  و  الغرب  :  بحث  في  دور  المؤثرات  الخارجية  في  تطور  النظام  الاقتصادي  العربي  و  العلاقات  الاقتصادية  العربية  ،  مرجع  سابق  ذكره  ، ص . 39 .

[5] جلال  أحمد  امين  ،  المشرق  العربي  و  الغرب  :  بحث  في  دور  المؤثرات  الخارجية  في  تطور  النظام  الاقتصادي  العربي  و  العلاقات  الاقتصادية  العربية  ،  مرجع  سابق  ذكره  ، ص . 44 .

[6] جلال  أحمد  امين  ،  المشرق  العربي  و  الغرب  :  بحث  في  دور  المؤثرات  الخارجية  في  تطور  النظام  الاقتصادي  العربي  و  العلاقات  الاقتصادية  العربية  ،  مرجع  سابق  ذكره  ،  ص. 45 .

[7] جلال  أحمد  امين  ،  المشرق  العربي  و  الغرب  :  بحث  في  دور  المؤثرات  الخارجية  في  تطور  النظام  الاقتصادي  العربي  و  العلاقات  الاقتصادية  العربية  ،  مرجع  سابق  ذكره  ، ص ص . 50-51 .

[8] المرجع  السابق  ،  ص  .  51  .

[9] عبد الوهاب  الكيالي  ، و آخرون  ( تحرير )  ،  موسوعة  السياسة  :  الجزء  السابع  (  بيروت  :  المؤسسة  العربية  للدراسات  و النشر ،  1991 ) ، ص . 674 .

[10] المرجع السابق ، ص . 654 .