د. سماء سليمان

أعلن وزراء الطاقة في 7 دول، هي: مصر، وإيطاليا، واليونان، وقبرص، والأردن، وفلسطين، وإسرائيل ، يوم 14 يناير 2019، إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط EMGF ، على أن يكون مقره القاهرة، وقد قرر رؤساء مصر واليونان وقبرص من حيث المبدأ إنشاء هذا التجمع خلال القمة الثلاثية التي عقدوها في أكتوبر 2018 في اليونان. وهو ما يدعو للتساؤل حول الفرص والتحديات التي من الممكن أن تواجه هذا المنتدى في ظل الظروف والأحداث التي تمر بها المنطقة وخاصة منطقة شرق المتوسط.
بداية، يأتي إنشاء المنتدى في إطار سعي مصر للتحول لمركز إقليمي للطاقة في المنطقة، فيما أعلنت وزارة البترول والثروة المعدنية إن من أهداف المنتدى العمل على إنشاء سوق إقليمية للغاز وترشيد تكلفة البنية التحتية وتقديم أسعار تنافسية، ولذا أصدرت مصر قانون تنظيم سوق الغاز وتأسيس الجهاز التنظيمي المنوط به وضع القواعد التي تكفل مشاركة القطاع الخاص في تجارة وتداول الغاز الطبيعي.
أهداف المنتدى:
يتمثل هدف المنتدى الرئيسي في “العمل على إنشاء سوق غاز إقليمية تخدم مصالح الأعضاء من خلال تأمين العرض والطلب، وتنمية الموارد على الوجه الأمثل وترشيد تكلفة البنية التحتية، وتقديم أسعار تنافسية، وتحسين العلاقات التجارية”.
ويستهدف المؤسسون لهذا المنتدى إلى “إنشاء منظمة دولية تحترم حقوق الأعضاء بشأن مواردها الطبيعية بما يتفق ومبادئ القانون الدولي، وتدعم جهودهم في الاستفادة من احتياطاتهم واستخدام البنية التحتية وبناء بنية جديدة، وذلك بهدف تأمين احتياجاتهم من الطاقة لصالح رفاهية شعوبهم”، ومن المقرر بدء محادثات رسمية حول هيكل المنتدى، وعرض المقترحات بهذا الصدد على الاجتماع الوزاري المقبل المقرر عقده في أبريل 2019.
اتفق الوزراء على أن الأهداف الرئيسية لمنتدى غاز شرق المتوسط ستتضمن ما يلي:
1. العمل على إنشاء سوق غاز إقليمي يخدم مصالح الأعضاء، من خلال تأمين العرض والطلب، وتنمية الموارد على الوجه الأمثل وترشيد تكلفة البنية التحتية، وتقديم أسعار تنافسية، وتحسين العلاقات التجارية.
2. ضمان تأمين العرض والطلب للأعضاء، مع العمل على تنمية الموارد على الوجه الأمثل، والاستخدام الكفء للبنية التحتية القائمة والجديدة مع تقديم أسعار تنافسية، وتحسين العلاقات التجارية.
3. تعزيز التعاون من خلال خلق حوار منهجي منظم وصياغة سياسات إقليمية مشتركة بشأن الغاز الطبيعي، بما في ذلك سياسات الغاز الإقليمية.
4. تعميق الوعي بالاعتماد المتبادل والفوائد التي يمكن أن تجنى من التعاون والحوار فيما بين الأعضاء، بما يتفق ومبادئ القانون الدولي.
5. دعم الأعضاء أصحاب الاحتياطات الغازية والمنتجين الحاليين في المنطقة في جهودهم الرامية إلى الاستفادة من احتياطاتهم الحالية والمستقبلية، من خلال تعزيز التعاون فيما بينهم ومع أطراف الاستهلاك والعبور في المنطقة، والاستفادة من البنية التحتية الحالية، وتطوير المزيد من خيارات البنية التحتية لاستيعاب الاكتشافات الحالية والمستقبلية.
6. مساعدة الدول المستهلكة في تأمين احتياجاتها وإتاحة مشاركتهم مع دول العبور في وضع سياسات الغاز في المنطقة، مما يتيح إقامة شراكة مستدامة بين الأطراف الفاعلة في كافة مراحل صناعة الغاز.
7. ضمان الاستدامة ومراعاة الاعتبارات البيئية في اكتشافات الغاز وإنتاجه ونقله، وفي بناء البنية الأساسية، بالإضافة إلى الارتقاء بالتكامل في مجال الغاز، ومع مصادر الطاقة الأخرى خاصة الطاقة المتجددة وشبكات الكهرباء.
عضوية المنتدى:
أكد الوزراء علي أنه يمكن لأي من دول شرق البحر المتوسط المنتجة أو المستهلكة للغاز أو دول العبور ممن يتفقون مع المنتدي في المصالح والأهداف الانضمام لعضويته لاحقا وذلك بعد استيفاء إجراءات العضوية اللازمة التي يتم الاتفاق عليها بين الدول المؤسسة.
كما اعلنوا أن المنتدي سيكون مفتوحاً لانضمام دول أخري أو منظمات إقليمية أو دولية بصفة مراقبين، وأنه سوف يعمل على التواصل مع الدول غير الأعضاء بما يساعد علي إيجاد حوار وتفاهم مشترك وتحقيق المنفعة المتبادلة وذلك وفقا لما تفتضيه الظروف، كما اتفقوا أن يكون للقطاع الخاص دور هام في المنتدي وُيدعى للمشاركة في أنشطته والاشتراك في هيئاته التنظيمية كجزء من المجموعة الاستشارية الدائمة لصناعة الغاز.
فرص المتاحة لنجاح المنتدى:
1-أن الاحتياطي المتوقع للغاز في منطقة شرق المتوسط يجعلها منافسة على المستوى العالمي للدول المصدرة للغاز على المستوى الدولي حيث قدرت هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية في عام 2010 م, مخزون الغاز في شرق البحر المتوسط بحوالي (468) تريليون قدم مكعب، وهى كميات يمكن أن تتجاوز الاحتياطيات الأمريكية المؤكدة، ويحتوى هذا الحوض على كميات ضخمة من الاحتياطيات النفطية وسوائل الغازات، كما تشمل هذه الاحتياطيات (223) تريليون قدم مكعب من الغاز في حوض دلتا النيل، إضافة إلى (5,9) مليار برميل من الغازات السائلة, و(1.7) مليار برميل من النفط، كما يحتوى الحوض الكبير على (122) تريليون قدم مكعب من الغازات في منطقة حوض شرق المتوسط قبالة شواطئ قبرص ولبنان وسوريا، وإسرائيل، أما اليونان فتقدر الأبحاث الجيولوجية أن احتياطيات الغاز في البحر اليوناني وجنوب جزيرة كريت بـ (123.6) تريليون قدم مكعب، وعلى الرغم من هذه الاحتياطيات الهائلة المتوقعة شرق المتوسط, إلا أن الحقول التي يتم العمل فيها في الوقت الحالي يقدر إنتاجها بنحو(68) تريليون قدم مكعب فقط.
2-أن دول شرق البحر المتوسط تستحوذ على 88% من احتياطيات الغاز بالمتوسط، ما يجعل للتكتل الجديد “ثقل في المنطقة وفي سوق الغاز العالمية.
3-إن قيام مصر بمبادرة لإنشاء مركز إقليمي للغاز الطبيعي في البحر المتوسط بمثابة محاولة لاحتواء الصراعات المحتملة على مناطق الغاز بالمنطقة، وهو الأمر الذى تعاملت مصر معه بذكاء.
4- أن الاكتشافات الغازية الكبيرة في الحقول البحرية بشرق البحر المتوسط سيكون لها تأثير علي تطور الطاقة والتنمية الاقتصادية بالمنطقة.
5- أن التوسع في الاكتشافات الجديدة والاستغلال الأمثل لها سيكون له تأثير علي أمن الطاقة بالمنطقة.
التحديات التي تواجه انشاء المنتدى:
1-المنافسة الإقليمية من الدول المنتجة للغاز وخاصة دول الخليج، حيث أعلنت كل من السعودية والإمارات وسلطنة عمان أجراء محادثات لمد شبكة غاز إقليمية بعد ساعات قليلة من إعلان القاهرة الذي أسس منتدى غاز شرق المتوسط، وقد أظهرت بيانات رسمية نشرت مؤخرًا، تقدم السعودية للمرتبة الخامسة عالميا بين كبار ملاك احتياطيات الغاز المثبتة أو المؤكدة، بـ325.1 تريليون قدم مكعبة قياسية، بحصة 4.6 في المائة من الاحتياطي العالمي، البالغ 7042 تريليون قدم مكعبة قياسية بنهاية عام 2017، ومن ثم فإن فتح باب العضوية للدول الأخرى يعد فرصة لمصر لإقناع الدول الخليجية لعضوية المنتدى وتصدير غازها من خلالها.
2- المنافسة من الدول الإقليمية وخاصة إيران التي تسعى إلى كسر العقوبات الاقتصادية عليها وتصدير غازها عبر سوريا أو الدخول في تفاهمات مع تركيا لتصدير الغاز عبر أراضيها، فضلا عن سعي قطر إلى تصدير غازها من خلال نفس المسارات.
3- سعي تركيا لتصبح مركزا إقليميا في المنطقة من خلال مرور خطوط أنابيب الغاز عبر أراضيها سواء القادمة من دول وسط آسيا أو من قبل روسيا أو من العراق وإيران وقطر لتصديرها إلى الدول الأوروبية.
4- المنافسة الدولية، وخاصة من روسيا التي ترغب في السيطرة على سوق الطاقة العالمي وخاصة الموجه للسوق الأوروبية سواء من خلال تشجيع تركيا أن تصبح مركزا إقليميا للطاقة بالمنطقة من خلال مد خط السيل التركي المخصص لنقل الغاز الروسي إلى تركيا وخط آخر لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر تركيا، ومنافسة لمصر أو من خلال مد السيل الشمالي من روسيا إلى ألمانيا مباشرة عبر بحر البلطيق، أو محاولتها السيطرة على الغاز المستخرج من الدول حديثة العهد بامتلاك احتياطيات الغاز وخاصة سوريا ولذا غابت سوريا عن عضوية المنتدى.
5- الخلافات على الحدود البحرية بين الدول ومنها: ما بين لبنان وإسرائيل ولذا غابت لبنان عن المنتدى، وبين تركيا وقبرص والتي من المتوقع قيام مناوشات بين البلدين من وقت لآخر مما يعد مصدر تهديد لأمن الطاقة في البحر المتوسط.
وختاما، مما لاشك فيه أن نجاح مصر في إنشاء هذا المنتدى واستضافة مقره يُعد من ثمار السياسة الخارجية الناجحة التي ينتهجها الرئيس عبد الفتاح السيسي والتي أسهمت بفعالية في تعزيز التعاون مع الشركاء في مناطق مختلفة من العالم منها منطقة شرق المتوسط، وبالتالي فإن إنشاء هذا المنتدى بهذه الدول وفتح باب العضوية فيه سوف يشجع على احتواء الصراعات بين الدول الأعضاء والدول التي لم تنضم بعد، كما أنه سوف يؤسس للتعاون وفق قواعد القانون الدولي في منطقة شرق المتوسط بين منتجي الغاز الحاليين والمحتملين واطراف الاستهلاك والعبور في المنطقة، ومن ثم فإن أي خلافات على الحدود البحرية سوف تحل في نطاق القانون الدولي، كما سوف يعمل المنتدى على تعميق التفاهم والوعي المتبادل بالتحديات والمصالح المشتركة في مجال الطاقة بين دول شرق المتوسط، وتمهيد الطريق للتعاون المثمر في المجالين التقني والاقتصادي، بهدف الاستغلال الكفء لإمكانات الغاز في المنطقة.
تم نشره على موقع تحرير نيوز
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.