تشهد دمشق تطورات اقتصادية محورية، حيث أعلن رئيس البنك المركزي السوري عن عودة وشيكة للبلاد إلى نظام سويفت للمدفوعات الدولية بعد أكثر من عقد من العقوبات.
وقال عبدالقادر حصرية حاكم مصرف سوريا المركزي في مقابلة مع صحيفة فايننشال تايمزنشرتها اليوم الاثنين إنه سيجري ربط سوريا بالكامل مجددا بنظام سويفت للمدفوعات الدولية “في غضون أسابيع”.
وتُعد هذه الخطوة أول إنجاز كبير ضمن الإصلاحات التحريرية التي تنفذها الحكومة السورية الجديدة للاقتصاد السوري، وتشير إلى تحرك سريع لجذب التجارة والاستثمار الدوليين بعد رفع الولايات المتحدة العقوبات الشهر الماضي.
وعرض حصرية خارطة طريق شاملة لإعادة هيكلة النظام المالي والسياسة النقدية في البلاد، بهدف إعادة بناء الاقتصاد المنهار. وتشمل الأهداف استعادة الاستثمارات الأجنبية، وإزالة العوائق التجارية، وتطبيع العملة، وإصلاح القطاع المصرفي.
وقال حصرية “نهدف إلى تعزيز مكانة البلاد كمركز مالي، بالنظر إلى الاستثمار الأجنبي المباشر المتوقع في إعادة الإعمار والبنية التحتية، وهذا أمر بالغ الأهمية”، مضيفا “على الرغم من التقدم الكبير الذي أُحرز، لا يزال هناك الكثير من العمل الذي ينتظرنا”.
وانقطعت سوريا عن الأسواق العالمية منذ عام 2011، عندما قمع الرئيس السابق بشار الأسد انتفاضة شعبية بعنف، مما أدى إلى اندلاع حرب أهلية شاملة. وعندما أطاح الرئيس السوري الحالي أحمد الشرع وتحالفه من المتمردين بالأسد في ديسمبر الماضي، كان الاقتصاد في حالة انهيار، وخزائن الدولة منهكة.
وعلى الرغم من تشكيك العديد من الخبراء في قدرة فصيل مسلح ذي خبرة محدودة في إدارة دولة على إنقاذها، فقد وضع القادة الجدد، بعد استيلائهم على السلطة، الخطوط العريضة لإصلاحات السوق الحرة في اقتصاد الأسد الخاضع لسيطرة مشددة، وتوقعوا تطبيق مبدأ الشمولية والشفافية، مما ساعد على استقطاب المستثمرين الأجانب الذين كانوا في البداية حذرين من التعامل مع المتمردين الإسلاميين.
واستفاد الرئيس الشرع من هذا الزخم، وحصل على دعم حكومي واسع النطاق من القوى العالمية الحريصة على استقرار البلاد، رغم أعمال العنف المتقطعة التي شوّهت العملية الانتقالية. وتلقى دفعة قوية الشهر الماضي عندما رفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب العقوبات بشكل مفاجئ.
مع أن هذه الخطوة كانت موضع ترحيب، إلا أن “تغييرا جذريًا في السياسات لا يزال ضروريًا”، كما قال حصرية، الذي تولى منصبه الجديد في أبريل، مضيفا “حتى الآن، لم نشهد سوى إصدار تراخيص ورفع عقوبات انتقائية. يجب أن يكون التنفيذ شاملًا، لا مؤقتًا”.
ويعمل حصرية، وهو خبير تكنوقراطي ومستشار مخضرم ساهم في صياغة العديد من قوانين المالية السورية في عهد الأسد، مع وزارة المالية على “خطة استقرار تمتد من ستة إلى اثني عشر شهرًا”.
وتتضمن هذه الخطة إصلاح القوانين المصرفية والبنك المركزي، وإصلاحًا شاملًا للضمان الاجتماعي وتمويل الإسكان لتشجيع السوريين في الشتات على الاستثمار في البلاد، من بين مبادرات أخرى.
ويُعدّ القطاع المصرفي أساسيًا لإعادة الإعمار، بعد أن انهار على نطاق واسع بسبب الحرب، والأزمة المالية التي شهدها لبنان عام 2019، وسياسات نظام الأسد العقابية. ويسعى حصرية إلى إنهاء إرث النظام السابق، واستعادة القدرة على الإقراض، والشفافية، والثقة.
وأفاد حصرية بأنه “سبق للبنك المركزي أن أدار النظام المالي بدقة متناهية، وبالغ في تنظيم الإقراض، وقيّد سحب الودائع. نهدف إلى إصلاح القطاع من خلال إعادة رسملة القطاع، وتحريره من القيود التنظيمية، وإعادة ترسيخ دوره كوسيط مالي بين الأسر والشركات”.
وأضاف أن عودة سويفت ستساهم في تشجيع التجارة الخارجية، وخفض تكاليف الاستيراد، وتسهيل الصادرات. كما ستجلب كميات كبيرة من العملات الأجنبية إلى البلاد، وتعزز جهود مكافحة غسل الأموال، وتخفف الاعتماد على الشبكات المالية غير الرسمية في التجارة عبر الحدود.
وأكد أن “الخطة هي أن تُمرَّر جميع المعاملات التجارية الخارجية عبر القطاع المصرفي الرسمي”، مما يُلغي دور الصرافين الذين كانوا يتقاضون 40 سنتًا عن كل دولار يدخل إلى سوريا. وأضاف أن البنوك والبنك المركزي مُنِحوا رموز سويفت، وأن “الخطوة المتبقية هي أن تستأنف البنوك المُراسِلة معالجة التحويلات”.
وأضاف أن الاستثمار الأجنبي سيُدعم أيضًا بالضمانات. وبينما يحظى القطاع المصرفي العام بدعم حكومي كامل، يسعى حصرية إلى إنشاء مؤسسة حكومية لضمان ودائع البنوك الخاصة.
وقبل الإطاحة بالأسد، فقدت الليرة السورية نحو 90 في المائة من قيمتها مقابل الدولار. وقد ارتفعت قيمتها منذ ذلك الحين، لكنها لا تزال متقلبة، مع وجود فروق بين سعري الصرف الرسمي والسوق السوداء. وصرح حصرية بأنه يهدف إلى توحيد أسعار الصرف، وأنه “يتجه نحو تعويم مُدار” لليرة.
مع دمار أجزاء واسعة من البلاد، وتكاليف إعادة الإعمار التي تُقدر بمئات المليارات من الدولارات، يُمثل إصلاح الاقتصاد التحدي الأكبر الذي يواجهه الشرع. وقد بدأت سوريا محادثات مع صندوق النقد الدولي، الذي أرسل وفدًا إليه الأسبوع الماضي، ومع البنك الدولي، وتسعى للحصول على مساعدة من دول المنطقة.
وقامت السعودية وقطر بتسوية ديون سوريا المستحقة للبنك الدولي والبالغة 15.5 مليون دولار الشهر الماضي، والتزمتا بدفع رواتب القطاع العام لثلاثة أشهر على الأقل. كما وقّعت سوريا اتفاقيات أولية مع شركات إماراتية وسعودية وقطرية لتنفيذ مشاريع كبرى في البنية التحتية والكهرباء.
وقال حصرية إن قادة البلاد قرروا عدم الاقتراض. لكن البنك المركزي ووزارة المالية يبحثان إمكانية إصدار سوريا، ولأول مرة، صكوكًا إسلامية، تُشبه السندات، لكنها متوافقة مع الشريعة الإسلامية التي تُحرّم الربا.
كما حصلت البلاد على منح، بما في ذلك 146 مليون دولار من البنك الدولي لقطاع الطاقة في البلاد، و80 مليون دولار من السويد لإعادة تأهيل مدارسها ومستشفياتها.