الرئيسية / أخبار / حل الخلافات اللبنانية – السورية مسار محفوف بالتحديات السياسية والأمنية

حل الخلافات اللبنانية – السورية مسار محفوف بالتحديات السياسية والأمنية

مبادرة الرئيس اللبناني جوزيف عون لترسيم الحدود مع سوريا تمثل اختبارا حاسما لقدرته على استعادة سيادة لبنان في ظل تحديات سياسية وأمنية. لكن هذه المبادرة تطرح تساؤلات حول قدرة لبنان على تنفيذها في ظل الانقسام الداخلي بشأن طريقة تشكيل العلاقة مع دمشق.

أطلق الرئيس اللبناني جوزيف عون مسارا سياسيا حساسا الاثنين بإعلانه تشكيل لجان لبنانية – سورية مشتركة لمعالجة ملفات عالقة بين البلدين، وعلى رأسها ترسيم الحدود البرية والبحرية، في خطوة يقول مراقبون إنها محاولة لفرض منطق الدولة وضبط السيادة في مناطق لطالما عانت من الفوضى الأمنية والتداخلات المسلحة.

ورغم الطابع السياسي الرسمي، يفتح الإعلان الباب أمام تحديات سياسية وأمنية عميقة، ويطرح تساؤلات حول قدرة لبنان في هذه المرحلة المعقدة على إنجاز هذا الملف الشائك.

ويقول محللون إن ترسيم الحدود مع سوريا ليس مجرد عملية تقنية أو تفاوض إداري، بل قضية ترتبط بتاريخ طويل من العلاقات غير المتكافئة بين البلدين، حيث لم تعترف دمشق رسميا حتى الآن بحدود واضحة مع لبنان، ما يعكس موقفا تقليديا يعتبر لبنان مجالا حيويا.

ومن جهة أخرى، فإن جزءا كبيرا من الحدود اللبنانية – السورية، خاصة في مناطق البقاع الشمالي والهرمل، يشهد نشاطا غير خاضع لرقابة الدولة، سواء من قبل شبكات تهريب أو من خلال تحرك حزب الله الذي يمتلك نفوذا ميدانيا واسعا هناك، ويستخدم بعض المعابر كشرايين اتصال لوجستي وعسكري مع الداخل السوري.

وأشار الخبير في الشؤون السياسية اللبنانية الدكتور سامي نادر إلى أن “الحدود اللبنانية – السورية هي منطقة معقدة للغاية من الناحية الأمنية واللوجستية، حيث يصعب وضع نظام صارم يضمن الاستقرار، خاصة في ظل استمرار النفوذ الإيراني عبر حزب الله.”

وإضافة إلى التعقيد الميداني، تبرز معضلة الانقسام اللبناني الداخلي الحاد حول العلاقة مع النظام السوري.

وفي حين ترى بعض القوى السياسية، خصوصا تلك الحليفة لمحور المقاومة، أن الحوار مع دمشق بات ضرورة عملية لحل أزمة النازحين وضبط الحدود، لا تزال قوى أخرى تعتبر أن أي تواصل رسمي مع النظام يجب أن يسبقه توافق وطني ومراجعة للملفات العالقة، وعلى رأسها ملف المعتقلين والمفقودين اللبنانيين في السجون السورية.

وأكد الباحث في الشؤون الإقليمية محمد أديب أن “لبنان لا يستطيع التفاوض على الحدود مع سوريا من دون ضمانات حقيقية بشأن ملفات حساسة مثل مصير المعتقلين اللبنانيين، وإلا فإن أي اتفاق سيظل هشا ومعرضا للانهيار.”

ويشير مراقبون إلى أن هذا الانقسام يعقد مهمة عون، ويجعل أي خطوة تفاوضية مع دمشق عرضة للتشكيك أو العرقلة في الداخل اللبناني.

ولا يمكن فصل هذا المسار أيضا عن التوتر الأمني الأخير على الحدود، حيث اتهمت وزارة الدفاع السورية حزب الله باختطاف وقتل ثلاثة من جنودها، وهو ما نفاه الحزب.

ويظهر هذا التوتر هشاشة الوضع الميداني، ويفرض علامات استفهام على مدى جدية دمشق في التعاون، خاصة إذا استمر الفلتان الأمني، أو إذا بقيت بعض القوى المحلية والإقليمية تتعامل مع الحدود كمنطقة نفوذ مفتوحة وليست خط تماس.

ويبدو الرئيس عون، الذي شدد في أكثر من مناسبة على ضرورة حصر السلاح بيد الدولة، وكأنه يحاول تهيئة بيئة سياسية وأمنية تمهد لتحول تدريجي في علاقة لبنان بجيرانه، وفي هيكل الدولة نفسها، عبر تقوية الجيش وإعادة الاعتبار لمؤسساتها، إلا أن التحدي الحقيقي لا يكمن فقط في التفاوض مع دمشق، بل في إثبات قدرة الدولة اللبنانية على تنفيذ أي اتفاق يتم التوصل إليه، في ظل محدودية سيطرتها على الأرض، وضعف الإمكانات اللوجستية والعسكرية للجيش، واستمرار وجود سلاح خارج إطارها الشرعي.

ويرى الباحث في الشؤون العسكرية يوسف فارس أن “الجيش اللبناني بحاجة إلى دعم لوجستي كبير لضمان تنفيذ أي اتفاق حدودي، وإذا لم تُترجم هذه الدعمات بشكل حقيقي، فإن أي تحرك سيكون مجرد خطوة شكلية.”

وفي ظل غياب توافق وطني حقيقي، ووسط تداخل الأدوار بين الدولة والقوى المسلحة غير الرسمية، تبقى هذه المبادرة محفوفة بالعقبات، وقد لا تنتج أكثر من حراك سياسي رمزي إذا لم تترافق مع خطوات عملية تعيد رسم حدود الدولة نفسها، لا فقط حدودها مع الجوار.

وتعتبر هذه الخطوة جزءا من سلسلة تحركات لبنانية تهدف إلى استعادة السيادة على الأراضي اللبنانية. ولكن، وفي ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يمر بها لبنان، قد يُنظر إلى أي اتفاق مع سوريا من بعض الأطراف المحلية على أنه مجازفة يمكن أن تضر بمصالح لبنان الإستراتيجية في المنطقة.

ويشكل استمرار الوضع الاقتصادي في لبنان عاملا آخر في تعقيد عملية ترسيم الحدود. فلبنان يعاني من أزمة اقتصادية خانقة، وقد يكون التفاوض مع سوريا حول ملف الحدود مرتبطا بالتأثيرات الاقتصادية المباشرة لهذا الاتفاق.

ويضغط ملف النازحين السوريين في لبنان ليكون أحد المحركات الأساسية لهذا الحوار، حيث يرى البعض أن حل هذه الأزمة قد يتطلب تعاونا وثيقا مع الحكومة السورية.

ويؤكد الخبير الاقتصادي فؤاد إبراهيم أن “الترسيم قد يكون جزءا من حزمة اقتصادية أوسع تحاول الحكومة اللبنانية العمل عليها، لكن المخاطر كبيرة إذا كانت أولويات الإصلاحات الداخلية ستظل متأخرة.”

وترى بعض المصادر السياسية في بيروت أن تزايد الضغوط الاقتصادية على لبنان قد يؤدي إلى تسرّع بعض الأطراف في قبول حلول قد تكون غير مفيدة على المدى الطويل.

ويظل الدور الدولي في عملية ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا عاملا أساسيا قد يؤثر في مجريات الأمور. فالقوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، التي طالما كانت تراقب عن كثب العلاقة بين البلدين، تعتبر مسألة السيادة اللبنانية على الحدود مسألة ذات أهمية خاصة.

وقد يتطلب التوصل إلى اتفاق رسمي بين لبنان وسوريا بشأن ترسيم الحدود موافقة ضمنية أو حتى دعما من المجتمع الدولي، خصوصا في ظل الوضع الراهن للبنان.