الرئيسية / أخبار / مفهوم الردع في الشرق الأوسط بحاجة إلى إعادة نظر

مفهوم الردع في الشرق الأوسط بحاجة إلى إعادة نظر

على الرغم من نجاح رد الحلفاء على الهجوم الإيراني على إسرائيل في الثالث عشر من أبريل الماضي إلّا أن ذلك الهجوم يدعو إلى التشكيك في مدى استدامة النهج الحالي، ما يشير إلى أنه من الضروري أن يعيد صناع القرار السياسي النظر في المشتريات العسكرية ووضع القوات وقوة الردع في الشرق الأوسط.

ويقول العقيد أندرو ج. كليمنسن، وهو زميل عسكري في معهد واشنطن للفترة 2023 – 2024، في تقرير نشره المعهد “إن الهجوم الإيراني على إسرائيل في 13 أبريل لم يكن مجرد استعراض، بل كان هجوما جويا منسقا، ولحسن الحظ تمكنت عملية ‘الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل متعدد الجنسيات’ التي تم تنفيذها بإتقان من صد الهجوم بنجاح باهر”.

ويرجع كليمنسن ذلك النجاح إلى ثلاثة أسباب: (1) التفوق التكنولوجي، (2) الانتشار الأمامي الكبير للقوات الأميركية، (3) الشبكة المنسقة للغاية من الشركاء.

ومع ذلك لا ينبغي الظن أن طهران ووكلاءها يفتقرون إلى الخيارات ضد دفاعات الحلفاء، فكل واحد من هذه الإنجازات يأتي مع محاذير تجب معالجتها لردع إيران بشكل فعال في المستقبل.

شهد الهجوم إطلاق أكثر من 300 طائرة مسيرة وقذيفة وصاروخ على إسرائيل مع أوقات وصول تقدر بست ساعات تقريباً. وفي الوابل الأول تم إطلاق ما يقرب من 170 طائرة مسيرة من الأراضي الإيرانية، أعقبها بعد ساعات قليلة إطلاق ما يقرب من ثلاثين صاروخ كروز.

وبالإضافة إلى ذلك أطلقت إيران وابلين من الصواريخ الباليستية تراوح إجمالي عددها بين 110 و130 صاروخا. وفي الوقت نفسه أطلق حزب الله اللبناني والحوثيون اليمنيون ووكلاء مختلفون في العراق العشرات من الطائرات المسيرة والقذائف والصواريخ من أراضيهم.

وفي المجمل بدا أن أربعة صواريخ باليستية فقط اخترقت الدفاعات الإسرائيلية، ولم تصل الطائرات المسيرة أو الأسلحة الأخرى إلى أهدافها. ويمثل ذلك معدل نجاح إجمالي بنسبة 98 في المئة لدفاعات الحلفاء، ومعدل نجاح يفوق 90 في المئة ضد الصواريخ الباليستية الإيرانية على وجه التحديد.

وفي حين لم تُكشف تفاصيل عن المنصات المحددة التي استخدمت للتصدي لذخائر معينة أطلقها العدو، إلا أن التقارير مفتوحة المصدر والأمور المعروفة عن عقيدة “الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل متعدد الجنسيات” تشير إلى أن مجموعة من المنصات البحرية والبرية والجوية استخدمت وسائل حركية وكهرومغناطيسية (أي التشويش) لتدمير الذخائر أو تعطيلها.

ووفقاً لبعض التقارير استفاد هذا الجهد الدفاعي من معدل فشل يقارب 50 في المئة للصواريخ الباليستية التي أطلقتها إيران، وقد يكون ذلك ناجماً عن عيوب في التصنيع أو ضعف في الأداء العسكري أو التخريب أو أسباب أخرى.

ويمتلك تحالف الدول الذي تصدى للهجوم ترسانة من أنظمة الدفاع الجوي “المتقدمة ورفيعة المستوى”، وهذه فائدة تكتيكية ولعنة مالية في الوقت نفسه. فمنصته الجوية البارزة هي المقاتلة الشبح من نوع “أف – 35 لايتنينغ 2” التي تبلغ كلفتها 100 مليون دولار، والتي يمكن تسليحها بصواريخ جو – جو من نوع “أي آي أم – 120” تبلغ قيمتها مليون دولار وصواريخ “أي آي أم – 9” بقيمة 500 ألف دولار.

ولم يكن من الصعب على طائرات “أف – 35” الإسرائيلية المعدلة وغيرها من طائرات التحالف المقاتلة إسقاط مجموعة المسيرات الإيرانية التي كانت تحلق ببطء (حوالي 20.000 دولار إلى 50.000 دولار لكل وحدة) وصواريخ كروز غير المكلفة على نحو مماثل واستخدمت القوات الأميركية في العراق من الأرض بطارية صواريخ باتريوت واحدة على الأقل، تبلغ كلفة كل صاروخ من صواريخها الاعتراضية 4 ملايين دولار.

وفي البحر المتوسط أسقطت مدمرتان أميركيتان من طراز “أرلي بيرك” ستة صواريخ، على الأرج بواسطة صواريخ اعتراضية من طراز “أس أم – 3” تكلف ما بين 9.7 و 28 مليون دولار بحسب النوع المستخدم. كما يبدو أن إسرائيل استخدمت كامل مجموعتها من أنظمة الدفاع الصاروخي (مقلاع داود، وآرو (السهم) 2 و3، والقبة الحديدية)، مع صواريخ اعتراضية تبلغ كلفة كل واحد منها عدة ملايين من الدولارات.

وعلاوة على ذلك تطلّب الدفاع الناجح أكبر وجود أميركي في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية منذ ذروة القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

وقد أدى هذا الانتشار إلى توسيع حدود العناصر والمعدات الأميركية، لاسيما في الوقت الذي يحاول فيه الجيش الأميركي إعادة التوازن إلى وضع قواته لدعم إستراتيجية الدفاع الوطني التي تركز على القوة الصينية الصاعدة في المحيط الهادئ.

وربما أكثر عناصر النجاح تعقيداً هو شبكة الحلفاء التي تم تنسيقها من خلال مركز العمليات الجوية المشتركة التابع للقوات الجوية الأميركية في قاعدة العديد الجوية في قطر.

وفي عام 2022 صرح الجنرال كينيث ماكنزي، رئيس القيادة المركزية الأميركية آنذاك، بأن “الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل متعدد الجنسيات” هو أفضل طريقة لتفعيل اتفاقيات أبراهام بين الدول العربية وإسرائيل، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن جميع هذه الحكومات اعتبرت تهديد الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية وشيكاً، وكذلك لأن تطبيق “الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل متعدد الجنسيات” أسهل من أشكال التكامل الأخرى، كونه يعتمد بشكل أساسي على تبادل المعلومات بدلاً من استضافة القوات الأجنبية.

الإجراءات الأميركية المضادة

إن الوسيلة البديهية للحفاظ على دفاع فعال ضد التهديدات الإيرانية هي الاستثمار في المزيد من الدفاعات الجوية، ولا يتوجب بالضرورة أن تكون أكثر قدرة أو ذات كلفة أبهظ.

وأما خفض التكاليف الأميركية، وفي الوقت نفسه إنشاء شبكات أكثر كثافة وابتكاراً لـ”الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل متعدد الجنسيات”، فيستدعي من واشنطن إعطاء شركائها في المنطقة أولوية المبيعات العسكرية الأجنبية، بما في ذلك توسيع مبيعات وإنتاج بطاريات صواريخ باتريوت والطائرات المقاتلة سواء كانت الطرازات القديمة أو طائرات أف – 35، التي ستنخفض تكاليفها الباهظة إذا ارتفع الطلب عليها، وأنظمة الدفاع الطرفية للارتفاعات العالية (ثاد).

ولكن في الوقت نفسه يتعين على الولايات المتحدة أن تشتري أنظمة أقل كلفة وأن تنظر في وسائل أخرى لردع إيران ووكلائها، خشية أن يؤدي الإفراط في الاستثمار في القدرات الدفاعية “المتقدمة ورفيعة المستوى” إلى قيام ما يشبه “خط ماجينو” في القرن الحادي والعشرين.

وبعد أيام من الهجوم الإيراني وافق الكونغرس الأميركي على مساعدات عسكرية بقيمة 95 مليار دولار لإسرائيل وتايوان وأوكرانيا، من ضمنها أصول أميركية الصنع للدفاع الجوي.

وتمثل هذه الحزمة إضافة بنسبة 60 في المئة تقريباً إلى مخصصات الدفاع للمشتريات العسكرية الأميركية لعام 2024.

وفي المرحلة المقبلة يجب على القيادة المركزية الأميركية ووكالة الدفاع الصاروخي ووزارة الخارجية تعزيز التعاون بين الشركاء لإدماج الدروس المستخلصة من الهجوم الإيراني والحرب الأوكرانية، وتحديد متطلبات الدفاع الجوي الجديدة للمبيعات العسكرية الخارجية.

ومن خلال الجمع بين هذه المتطلبات الإضافية في برنامج البنتاغون الدفاعي للسنوات المقبلة، وعبر التأكيد على أن الكثير من هذه الإضافات يمكن أن يدفعها الشركاء، كما أنه من خلال إنشاء خطوط أساس جديدة لمساعدة تايوان وأوكرانيا، يمكن للمسؤولين الأميركيين إرسال إشارة واضحة تفيد بالاتساق المالي لهذا القطاع، بما يمكّنه من زيادة الطاقة الإنتاجية.

وقد يكون من المفيد أيضاً اتباع أساليب جديدة لتطوير النظام. إذ لا ينبغي أن تخضع الشركات الناشئة لبروتوكولات الاختبار والتطوير والتقييم القديمة، والتي تستغرق سنوات قبل أن يصبح من الممكن نشر النظام لدى القوات الأميركية، ناهيك عن تقديمه للشركاء. وبدلاً من ذلك يتعين على واشنطن ربط هذه الشركات بالدول الشريكة المموَّلة جيداً لتحسين منتجاتها في هذا المجال.

لكن على الرغم من أهمية تحسين قدرات الاعتراض، إلا أن هناك خطوة أخرى قد تكون أكثر أهمية، وهي تحويل “مركز العمليات الجوية المشتركة” من مركز تنسيق إقليمي إلى مقر عمليات إقليمي متكامل تماماً.

ويعني ذلك تزويد الشركاء بعدد أكبر من أجهزة الاستشعار التي هي أفضل جودة أيضاً، وإبرام اتفاقيات تعاون أعمق بينهم في الوقت نفسه.

ومن خلال القيام بذلك يجب على واشنطن التأكيد على أن هذه الجهود تصب في مصلحة الأمن الجماعي للمنطقة، ولا ينبغي إعطاء الأفضلية لإسرائيل بين المستفيدين من هذه الترتيبات، باستثناء التدابير العاجلة لحمايتها من التهديدات الوشيكة التي تواجهها بشكل خاص.

وفضلاً عن ذلك، وبما أن الهجوم الإيراني يمثل تحولاً كبيراً في البيئة الإستراتيجية في الشرق الأوسط، يتعين على الولايات المتحدة أن ترد بإرسال المزيد من القوات الدفاعية إلى المنطقة، وبشكل أكثر اتساقاً. ففي عام 2023 أذن الكونغرس بتزويد الجيش بما يصل إلى عشرين بطارية صواريخ باتريوت إضافية، ولذلك يجب على المسؤولين التأكد من تخصيص الأموال اللازمة للوصول فعلياً إلى هذا المستوى من القوة. كما ينبغي عليهم النظر في تخصيص المزيد من القوات لمنطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية بدلاً من الاعتماد على عمليات الانتشار بالتناوب.

ويمكن أن يساعد تنظيم جولات “طبيعية” لوحدات مدفعية الدفاع الجوي والقوات الأخرى التي يتم نشرها بشكل دائم في القيادة المركزية الأميركية على ردع إيران من خلال إظهار التزام أميركي حازم تجاه المنطقة، كما أنه سيوفر نفوذاً قوياً يُثني الشركاء عن دعوة الصين إلى هياكلهم الدفاعية.

وأخيرا ينبغي على واضعي السياسات أن يعيدوا تقييم تكاليف أساليب الردع المختلفة وتعديل نهجهم وفقاً لذلك. فخلال السنوات الأخيرة اعتمدوا بشكل كبير على الردع عن طريق المنع، أي الحرص على ألا يتمكن الخصوم، أمثال إيران، من توجيه ضربة فعالة للعناصر الأميركيين أو شركاء الولايات المتحدة.

وهذا الموقف مثالي من نواح كثيرة ولكنه يكلف الكثير، وكما ذُكر سابقاً يتطلب وجوداً أمامياً كبيراً لتحقيق النجاح.

وفي المقابل حققت إيران ردعاً غير مكلف. ولذلك يجب على واضعي السياسات النظر في إقران المنع بالعقاب، سواء بالتهديد أو بالعقاب الفعلي.

على سبيل المثال، في حالة وقوع هجوم في المستقبل يمكن أن تكون الضربة المضادة ضد قدرات تصنيع الطائرات المسيرة الإيرانية مفيدة بشكل خاص، ليس من خلال توجيه رسالة إستراتيجية لتعزيز الردع فحسب، ولكن أيضاً من خلال إضعاف إنتاج هذه الطائرات، الأمر الذي من شأنه أن يحد من مزايا النهج الإيراني المتعلقة بالكلفة، ويقلل المخزون المتوفر لتسليح وكلائها وروسيا.