الحقيقة المرة أن تدفق القمح الأوكراني للأسواق توقف، وأن القوات الروسية التي تسيطر على موانئ أوكرانيا ستحول دون تصديره.
هل بات خبز العالم وطعامه تحت رحمة روسيا، وهل نحن على موعد مع أزمة غذاء عالمية جديدة تشبه تلك التي حدثت في العام 2010؟
أم أن الأيام المقبلة ستشهد حلحلة في ملف صادرات القمح الروسي والأوكراني واللذين يلبيان نحو 30% من احتياجات أسواق العالم من الحبوب؟
الأرز الذي يعد غذاءً أساسيّا لنصف سكان المعمورة يُتوقع أن تشهد أسعاره ارتفاعات جديدة، في حال قررت الهند، أكبر مورد للسلعة عالميا، فرض حظر على تصديره.
* * *
انتهى رسميا اتفاق تصدير الحبوب، وهو الاتفاق الذي تم مده عدة مرات منذ يوليو/تموز 2022 ووفر لأسواق العالم تدفق القمح الأوكراني عبر البحر الأسود، فقد أعلنت روسيا رسميا اليوم الاثنين رفض تجديد الاتفاق لأسباب كثيرة تتغير من وقت لآخر حسب روايتها. وهذا خبر غير سار على الاطلاق للعديد من دول العالم حيث يدخل القمح الأوكراني في صناعة الخبز.
مرة تربط روسيا قرار الرفض باستمرار العقوبات الغربية عليها، وأخرى بمطالب تتعلق بضرورة عودة نظامها المصرفي لشبكة السويفت الدولية، وثالثة باللعب على وتر إنساني وهو عدم وصول القمح المصدر للدول الفقيرة واستفادة الدول الثرية منه، ورابعة تتحدث عن استخدام أوكرانيا سفن شحن القمح في أغراض عسكرية وتوجيه ضربات لروسيا.
وبغض النظر عن تلك المبررات إلا أننا أمام حقيقة مرة تقول إن تدفق القمح الأوكراني لأسواق الحبوب العالمية توقف بالفعل، وأن القوات الروسية التي تسيطر على الموانئ الأوكرانية الواقعة على البحر الأسود، ستحول دون تصدير تلك الحبوب.
كما أننا أمام حقيقة أخرى وهي أن الضغوط الدولية التي مورست على فلاديمير بوتين لإثنائه عن موقفه الرافض تجديد الاتفاق فشلت سواء كانت من قبل الأمم المتحدة أو تركيا أو أطراف أخرى، وأنه من الواضح أنه لا أمل قريب في تجديد الاتفاق، وأن أقرب فرصة متاحة لفتح الملف قد تكون في الشهر المقبل حينما يلتقي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نظيره الروسي في أنقرة.
رد فعل الأسواق العالمية على إعلان روسيا رفض تجديد اتفاق تصدير الحبوب كان سريعا، فقد قفزت أسعار العقود الآجلة للقمح في بورصة شيكاغو بأكثر من 4%، وارتفعت أسعار الذرة الصفراء وفول الصويا وغيرها من الأغذية.
ومع تلك الزيادات باتت أسواق الحبوب في العالم ترتجف بشدة من تأخر حسم هذا الملف بالغ الحساسية، واستردت تلك الأسواق ذكريات ما بعد اندلاع حرب أوكرانيا المؤلمة والتي سجلت فيها أسعار القمح والذرة والشعير والزيوت قفزات غير مسبوقة، كما شهدت بعض الدول المستوردة للغذاء قلاقل اجتماعية واضطرابات بسبب زيادة أسعار الدقيق والخبز وغيرهما من السلع الغذائية.
والسبب يكمن في أهمية القمح الأوكراني لسوق الحبوب العالمي، إذ تعد أوكرانيا واحدة من أكبر موردي الحبوب، حيث يعتمد 400 مليون شخص في جميع أنحاء العالم على الحبوب الأوكرانية، وفقا لأرقام برنامج الغذاء العالمي، وأن الدول الفقيرة أو التي تستورد كميات ضخمة من الحبوب تعتمد على القمح الاوكراني لأسباب كثيرة منها رخص سعره والتسهيلات المقدمة للموردين.
ولأن المصائب لا تأتي فرادى فإن عدم تجديد روسيا اتفاق الحبوب صاحبته تطورات أخرى تشي بأن العالم قد يعيش لحظات صعبة في الأيام المقبلة.
فالأرز الذي يعد غذاءً أساسيّا لنحو نصف سكان المعمورة من المتوقع أن تشهد أسعاره ارتفاعات جديدة، في حال قررت الهند، أكبر مورد للسلعة عالميا، فرض حظر على تصديره.
وهذا أمر بات محتملا مع قفزات أسعار الأغذية داخل الهند، ووصول تكلفة السلعة الأساسية إلى أعلى مستوى لها في 11 عاما، بل إن حكومة ناريندرا مودي، بدأت بالفعل مناقشة خطة تتعلق بحظر تصدير جميع أنواع الأرز غير البسمتي، في محاولة للحد من كبح الأسعار ومخاطر ارتفاع التضخم على الأسواق والعملة، خاصة قبل الانتخابات المقبلة.
لا يتوقف الأمر على التطورين السابقين، فقد ارتفعت أسعار العقود الآجلة للقمح والذرة وفول الصويا مجددا، وزادت المخاوف من تدهور إنتاج المحاصيل الزراعية حول العالم بسبب موجة الطقس الجاف التي تشهدها مناطق الزراعة في أوروبا وأستراليا.
وكذا في الولايات المتحدة أكبر منتج للذرة في العالم وثاني أكبر منتج لفول الصويا، وهو ما يؤثر سلبا على سلع غذائية رئيسية تهم المستهلك، يتكرر المشهد في ألمانيا حيث خفض اتحاد التعاونيات الزراعية تقديراته لإنتاج محصول الحبوب بسبب الجفاف.
هل بات خبز العالم وطعامه تحت رحمة روسيا، وهل نحن على موعد مع أزمة غذاء عالمية جديدة تشبه تلك التي حدثت في العام 2010؟، أم أن الأيام المقبلة ستشهد حلحلة في ملف صادرات القمح الروسي والأوكراني واللذين يلبيان نحو 30% من احتياجات أسواق العالم من الحبوب؟
*مصطفى عبد السلام كاتب صحفي اقتصادي