الرئيسية / أخبار / لماذا تستفيد بعض الاقتصادات من تخفيض سعر العملة وتتأزم أخرى؟

لماذا تستفيد بعض الاقتصادات من تخفيض سعر العملة وتتأزم أخرى؟

قبل أن تبدأ عزيزي القارئ في هذا التقرير عليك أن تعرف أن أعلى سعر عملة في العالم هو الدينار الكويتي؛ إذ يساوي 0.3 دينار كويتي دولارًا أمريكيًا واحدًا، ولكن هل يعني ذلك أن الاقتصاد الكويتي أقوى اقتصاد في العالم؟ بالطبع لا، ولكن لارتفاع سعر العملة ميزات كثيرة؛ أهمها انخفاض سعر ما يستورده الكويتيون من الخارج، فكلما كان سعر الدولار الأمريكي أرخص مقارنة بالدينار الكويتي، كانت السلع الأمريكية رخيصة بالنسبة لمن يستوردها في الكويت.

وبسبب هذه الميزة تُثبّت بعض الدول سعر العملة عند سعر عالٍ مقابل الدولار، ورغم أن دولًا أخرى تملك نظام «صرف معوّم» (أي أن سعر عملتها يُحدد بشكل حر عن طريق العرض والطلب، دون تدخل من الدولة لتحديد سعره)، فإن هذه الدول لا تحبذ انخفاض سعر صرف عملتها عالميًا، فهذا الانخفاض يعني ارتفاع معدلات التضخم في هذه البلدان إلى الحد الذي قد يكون ضارًا على استهلاك المواطنين بسبب غلاء أسعار المنتجات في بلدانهم.

ولا يقتصر ذلك على ارتفاع سعر المستوردات مباشرة فقط، بل إن ارتفاع سعر الطاقة المستوردة من الخارج – على سبيل المثال – قد يرفع أسعار منتجات كثيرة أخرى داخل البلد، ولو لم تكن مستوردة من الخارج، وهي حالة شبيهة بما يحصل في تركيا في الوقت الحالي.

وعلى النقيض فإن بعض الدول تحاول الحفاظ على سعر العملة الخاصة بها منخفضًا أمام العُملات الأخرى، فالصين على سبيل المثال تُبقي سعر العملة منخفضًا بشكل اصطناعي عن طريق البنك المركزي الصيني؛ إذ ترى الحكومة الصينية أن سعر عملة الرخيص يعني صادرات صينية رخيصة بالنسبة للخارج، ويعني ذلك ارتفاع تنافسيتها بالنسبة لغيرها من السلع؛ ما يعني أن الطلب على هذه الصادرات سيرتفع.

وبما أن الإنتاج الصيني مرتكز على تصنيع منتجات بغرض تصديرها، فإن زيادة الصادرات تعني ارتفاع الإنتاج والنمو في الصين، وفي المقابل فإن ترك سعر العملة ليرتفع مقابل العملات الأخرى سيعني انخفاض التصدير؛ وبالتالي التأثير سلبًا على النمو والإنتاج.

ولكن هذه الصورة مختزلة نوعًا ما. فلماذا لا تقوم جميع الدول بتخفيض سعر العملة لزيادة النمو والإنتاج؟ أو كيف ينجح ذلك مع الصين بينما تمر تركيا – مثلًا – بأزمة اقتصادية أحد أسبابها انخفاض سعر العملة؟ لماذا لا يدفع انخفاض سعر العملة التركية إلى تحسن الاقتصاد التركي مثلًا؟ ولماذا يبدو اقتصاد بعض الدول التي تملك سعر صرف عملة مرتفع جيدًا جدًا، ولو بالنسبة لمواطني هذا البلد؛ بينما لا ينطبق ذلك على دول أخرى؟ فالأردن مثلًا تمتلك رابع أعلى سعر صرف عملة في العالم، ولكن اقتصادها ضعيف بالمقارنة بالكويت، والفارق بين قوة الاقتصادين أكبر بكثير من الفارق بين سعر العملتين. يحاول هذا التقرير الإجابة عن هذه الأسئلة.

لماذا يتغير سعر العملة؟ 

اخترع الإنسان فكرة العُملة ليسْهُل عليه القيام بمبادلاته التجارية، بعد أن اعتاد البشر في البداية على استخدام نظام المقايضة في تعاملاتهم التجارية، بمعنى استبدال سلعة بأخرى، مع اختلاف الكميات من كل سلعة بناء على اختلاف قيمتها، ومع ظهور مشكلات هذا النظام، وإحداها أن بعض الناس قد ينتجون الصابون – مثلًا – ويحتاجون أن يبادلوه بمن ينتج القمح، ليجدوا أن من ينتج القمح غير مهتم بالصابون، وحينها سيحتاج منتجو الصابون إلى إيجاد من يحتاجه مقابل سلعة يحتاجها من ينتج القمح، ومثل هذه الطريقة مكلفة وطويلة الأجل وغير عملية، ولذلك وجب الاستبدال بها.

وحينها بدأ الناس بالاتفاق على التداول بمادة ما ليس لها قيمة استعمالية في ذاتها، لتصبح وحدة قياس قيمة المنتجات في الاقتصاد، ووسيلة تبادل هذه المنتجات بين الناس، وأداة لتخزين قيمة ما ينتجه الناس، فمع تطور المجتمعات أصبح بعض الناس ينتجون أكثر مما يحتاجونه خلال يوم واحد، وبدلًا عن تخزين ما ينتجونه بشكل مباشر، يستطيعون تخزين هذه العملة تعبيرًا عما أنتجوه سابقًا، واشتهر الذهب تحديدًا للقيام بهذه المهمة في الاقتصاد.

بهذا الافتراض فإن المادة التي تستخدم عملةً تصبح ثابتة نسبيًا، ولو على المدى القصير، فالذهب ليس سلعة في حد ذاته ليباع ويشترى، وإنما عُملة تشترى وتباع به المنتجات الأخرى، وتغير سعر شيء ما في السوق الحرة ناتج عن تغير عرضه وطلبه، ولنفترض أن الذهب كان من المواد التي لا يختلف عرضه والطلب عليه.

أما في عالم اليوم فإنه يمكن القول إن العملة أضحت بشكل من الأشكال سلعة تباع وتشترى، ولو بشكل غير مباشر، وليست هذه العملة مادة محددة ومتفقًا عليها بين جميع البلدان، فالذهب قديمًا كان مادة متعارفًا عليها في العالم ومقبولة في جميع أرجائه، أما اليوم فلكل دولة عملتها الخاصة، وبطبيعة الحال فإن الصين – مثلًا – غير مهتمة بأن تدفع لها الكويت بالدينار الكويتي، بل تهتم بأن يُدفع لها بعملة صعبة يمكن الشراء بها من أي مكان آخر في العالم؛ مثل الدولار.

ومنذ مطلع سبعينات القرن الماضي أصبح سعر العملة يتحدد بناء على عرضها في السوق والطلب عليها من طرف مختلف الأطراف في الاقتصاد العالمي، ولكن الكثير من الدول تختار أن تنشئ نظامًا نقديًا يعتمد تثبيت سعر العملة مقابل عملة أخرى صعبة؛ وتحديدًا مقابل الدولار الأمريكي.

كيف يتحدد العرض والطلب على عملة ما؟ 

لفهم الدور الذي تلعبه العملة في اقتصاد بلد ما، وعلاقته بالخارج علينا أولًا أن نفهم كيف يتحدد العرض والطلب على هذه العملة، وما العوامل التي تؤثر على تغيرهما في المديين الطويل والقصير، وفي الخطوة الأولى يمكن فهم المسألة باستخدام «قانون السعر الواحد Law of One Price» في الاقتصاد، والذي يقضي بأن السلع المتطابقة المنتجة في أماكن مختلفة في العالم لها نفس السعر تمامًا، على افتراض إمكانية بيعها وشرائها بحرية في العالم؛ بحيث لا يكون هناك أي تكلفة إضافية مترتبة على بيع هذه السلع ومتاجرتها.